سمر المقرن
تربيت -ولله الحمد- منذ طفولتي ألا أفرق بين زميلاتي إلا على أساس أخلاقهن وتعاملهن، فلا أهتم بلون تلك أو ديانتها، ونما هذا الإحساس الفطري بداخلي عندما كنت بالصف الثاني متوسط وكانت زميلتي التي لازمتني في نفس الفصل لعامين متتاليين مسيحية الديانة، مع أنني سافرت كثيراً وأنا طفلة واختلطت بكثير من الأطفال، إلا أن زمالة الفصل الدراسي الواحد تأثيرها يختلف عن اللقاءات العابرة.
هذا الشعور أخذ ينمو وينتصر مع مرور الأيام وعضّدته «الوسطية» السمحة التي كانت من حولي وساعدتني على تجاوز كل مطبات «التشدد» و»الإقصاء». وامتداداً لمسلسل مكافحة التمييز العنصري الذي ترعاه بلدنا الأمين، أوصت هيئة حقوق الإنسان بإصدار قانون يجرِّم التمييز العنصري ويُبرز ثقافة التسامح واحترام حقوق الإنسان والحفاظ على اللحمة الوطنية، فالقانون المقترح سيجرِّم كل أشكال التمييز العنصري قاطبة ويحرِّم الاعتداء على أماكن العبادات أو ازدراء الأديان أو المقدسات أو بث الكراهية أو التمييز ضد الأفراد أو الجماعات، فلا فرق بين أبناء الوطن الواحد وفئاته، لا سيما بعد انضمام المملكة إلى لاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، لتكون جزءاً لا يتجزأ من الأنظمة الوطنية للبلاد، وسبقها تطبيق الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري عام 1965م، فمن يسمح للبعض أن يميز الناس هذا جنس سام، وذاك درجة ثانية؟ إنها ممارسة عالمية بغيضة كريهة يمارسها وللأسف بعض أصحاب النفوس المريضة. والنماذج عديدة وشاهدناها عبر التاريخ، تحضرني حكاية ما حدث ل «كونتا كينتي» الرجل الإفريقي الذي تحولت قصة حياته لمسلسل شهير، عندما اشتروه بضاعة وقاوم التمييز العنصري وانتصر عليه حتى بعد موته عندما بدلت ابنته يافطة اسم (توبي) الذي أرغمه عليه سيده باسمه الحقيقي ليكون مثالاً لهزيمة العنصرية ولو بعد حين! وحتى في فرنسا في القرن التاسع عشر كان التمييز العنصري بارزاً وخصوصاً في مجالات الفنون التشكيلية التي كانت تجسد البياض الناصع رمزاً للتفوق والتميز، والأسود رمزاً للجهل! إنه موروث ثقيل بائد وعادة من عادات الجاهلية كانت تظهر عربياً، متجسدة في الحروب والصراعات القبلية والقصائد الشعرية المعادية التي كانت منتشرة بين القبائل وبعضها وفي ظاهرة تجارة العبيد واضطهاد الزنوج منهم حينذاك مثل بلال بن رباح الذي أصبح أول مؤذن في الإسلام بعد أن جاء الإسلام ليمحو التمييز بين البشر إلا بالتقوى.
وأثق أن دول العالم الحر ستمضي قدماً في التخلص من بقايا كافة أشكال التمييز العنصري. وكما قال نيلسون مانديلا: لا يوجد إنسان ولد يكره إنساناً آخر بسبب لون بشرته أو أصله أو دينه، الناس تعلّمت الكراهية وإذا كان بإمكاننا تعليمهم الكراهية إذاً بإمكاننا تعليمهم الحب وخصوصاً أن الحب أقرب لقلب الإنسان من الكراهية.