د. محمد عبدالله العوين
دخلت قبل أيام إلى (مطعم) أنيق جميل مترف في ليلة من ليالي الأنس والحبور مع ثلة من الزملاء الطيبين الذين أكرمني مضيفنا بلقائهم، وحرصت على تلبية الدعوة إكراماً للداعي وتجديداً لأواصر الود والمحبة بالمدعوين، ويا لها من مفاجأة لطيفة حينما تقدم أمامنا (نادل المطعم) غير العربي مردداً كلمات لم نعرف منها إلا ما توحي به من تحايا ختمها بكلمة عربية مكسرة (مرهباً)!
كانت منضدتنا التي حجزها الداعي الكريم قبل يوم من الموعد تتوسط المكان وكأنها الجوهرة وحولها حبات العقد، والحق أن حبات العقد كانت الأنعم والأرق والأجمل؛ إذ كنا في هذا الوسط الرجال الوحيدين وحولنا مناضد أنثوية باذخة الجمال، ومن خلفهن وعن يمينهن وشمالهن تناثرت المناضد بين رجال ونساء.
كان كل ما في المطعم غريبا علي، لغة الترحيب، طريقة الاستقبال، النادل المهذب الذي استقبلنا، الزهور الأنثوية المتناثرة وسط الخميلة في احتشام، الجمال الباهر المحير الذي يأخذ بالألباب ويجدد فورة الشباب، الضحكات الأنيقة والتعليقات المرحة، يا له من عالم جديد.
كان آخر عهدي بالمطاعم حين كنا نغير (الجو) من المنزل إلى مطعم كالمنزل تماما؛ فتغلق علينا سواتر ذات اليمين وذات الشمال ومن الأمام ومن الخلف فكأننا في زنزانة لا في مطعم، وحين نطلب أكلا أو يأتي أكل يبدأ النادل بقرع الساتر الخشبي في رفق فأزيح طرفاً منه ليضع ما يحمله على عربته مما لذ وطاب ثم تغلق السواتر من جديد، وكنت أقول في نفسي ما كأننا غادرنا منزلنا، لا فرق بين المنزل والمطعم؛ بل إن المنزل أكثر رحابة وسعة، وأقل كلفة ومؤونة في الجهد والمال.
لم آت بعد إلى عنوان المقال، ومن هي الموؤودة ومن هو الوائد؟ فقد أطريت المطعم حين ذكرت أجواءه العبقة بنبض الحياة والأحياء؛ لكن ما شان هذا الجمالَ وشوهه وأشعرني أنني غريب في بلدي بين غرباء أن قائمة الطعام الغنية ليس فيها حرف عربي واحد، يا للهول؛ فقد كتبت الصفحة الأولى بالإنجليزية والثانية بلغة أخرى أجنبية!
هل أنا حقاً في الرياض؟! أم في روما أو ميلانو أو لندن أو جنيف؟!
لم لا تكون الصفحة الأولى باللغة العربية والثانية بأية لغة عالمية أخرى يختارها صاحب المطعم؟!
كيف تساهل أو تجاهل صاحب هذا المطعم التعليمات التي فرضتها وزارة التجارة؟ ثم أين هم مراقبوها؟ وكيف أعطي التصريح بالعمل وهو يخالف تعليماتها؟
من سمح أو أجاز قائمة الطعام هذه؟ بل من سمح أو أجاز اسم المطعم بغير العربية؟ ألا يمكن أن يكتب بالعربية ثم بالانجليزية أو غيرها من اللغات الأجنبية؟!
نحن نخطو خطوات قوية نحو التحديث؛ لكنني أرى ألا نغفل أبداً عن مراقبة سيرنا وقفزنا السريع، بحيث لا ندع فرصة ممكنة لإضعاف أو التقليل من هويتنا وشخصيتنا.
ولغتنا - بلا شك - جزء مهم جداً من هويتنا؛ فكيف نفرط فيها؟!