عبدالعزيز السماري
يجلد المثقفون الواقع العربي، ويتهمونه أنه يعيش في جلباب الماضي، ومهما تغيرت أنماط المعيشة وأشكال الهندام، وأساليب الإتيكيت في تناول الطعام إلا أنه يظل عقلاً يعيش في الماضي، ويجد صعوبة في تلقي العلم والمعرفة المستقبلية..
هذه حقيقة ثابتة، وتجدها في واقع الإنسان العربي، والسبب أن يتلقى آخر ما توصل إليه العلم من خلال لغة أخرى، بينما يتداول أفكار الماضي من خلال لغته الأم، وإذا لم يكن يجيد لغة أجنبية، فسيظل حبيس الماضي مهما ظهر متطورًا في لباسه أو منزله أو سيارته..
كنت أتصفح بعض مناهج المدارس الأهلية للغة الإنجليزية والعربية، فلفت انتباهي أن اللغة الإنجليزية تُدرس من خلال المصطلحات العلمية الحديثة، بينما تُدرس العربية من خلال مفردات ومصطلحات من الماضي، وربما لهذا السبب يعيش أكثر العرب في الماضي، وقد يفسر ذلك حالة التخلف العلمي.
أرجو ألا يُفهم من حديثي أن الماضي يعني تعليم الدين، فذلك أمر مختلف، ولا يمكن أن يخضع للعلم الحديث، لكن ما أعنيه تدريس لغة المصطلحات والتواصل العلمي والتخاطب العقلاني، التي من المفترض أن تكون ملمة بأحدث ما توصل إليه العلم، وربما يرى البعض أن هذا الطرح مكررًا، لكن هناك ما يبرر أهمية التكرار، وإعادة الطرح مرات ومرات..
فالمجتمع العربي غارق في سوق الاستهلاك، ولا يدرك ما يحدث في العالم من تقدم واكتشافات، والسبب بعد لغته عن هذا الواقع، وهذا الوعي لا يعني تعصبًا أو تزمتًا بموقف عروبي أو غيره، ولكن وعي بأهمية اللغة الأم، التي تظل المحور الأساسي في قضية التعلم..
مختلف الذين تعلموا لغة ثانية، لم يستطيعوا أن يصلوا بها إلى مكانة اللغة الأم، يظل يترجم عقليًا، أو يبحث عن معاني الكلمات في ذهنه الغارق في الماضوية، وإذا لم يجد لها معنى يدخل في متاهات التأويل وعدم الفهم للحقيقة العلمية.
كثير من أبناء المجتمع العربي يعانون من أمية معرفية، لأنهم لا يتلقوا تعلميهم العلمي من خلال اللغة الأم، ولهذا يعتمدون على الشفوية في تعلم الأشياء الجديدة، ولهذا السبب لم نصل إلى درجة أعلى من التطور في المستقبل ما لم تبدأ مرحلة تعليم آخر ما توصل إليه العلم من خلال اللغة الأم..
وقد كانت توصيات اليونسكو تقوم على أهمية تدريس العلم من خلال اللغة الأم في دول إفريقيا لمحو الأمية، وقد نشرت اليونسكو نتائج تجاربها في إفريقيا حول أهمية اللغة الأم مهما كانت ندرتها، وتقوم في الوقت الحالي بتوجيه سياسة تعليم اللغة في جنوب شرق آسيا وجنوب آسيا إلى اللغة الأم..
ما يؤلم أننا لا نعاني من تخلف لغوي، فاللغة العربية قادرة، ومؤهلة لاستيعاب مصطلحات العلم، لكن الأزمة تكمن في تلك العقول التي تعتقد أن الحديث بلغة أجنبية هو آخر ما توصل إليه العلم..