خالد الربيعان
أثناء إقامتي بالولايات المتحدة في فترة من فترات حياتي، قدمت نفسي ببساطة له، أعتبره أحد المرشدين لي في طريقي، أحد أكبرهم بدقة! لم يتجاهلني، بل شجعني بكلمات قليلة اعتززت بها كثيراً، تمر أيام وسنوات ووجدته يترأس هيئة الرياضة، كان دائماً يرى «لبعيد»!
و«البعيد» هذا: هو ما نقوله، ونعيده، ونزيده! أن الرياضة تغيّرت، وكرة القدم تحديداً أصبحت صناعة وسوق، لا يدخله أي أحد إلا لو «كان قده»! وإلا سيهلك! والأمثلة على ذلك كثيرة، ليدز يونايتد،كان كبيراً وهبط لأنه لم يواكب «الاحترافية»، في إيطاليا عندك «بارما»! أفلس وباعوا كئوسه في المزاد!
بعدها انطلق الرجل في تجربة «بدون صخب» ودون ضوضاء، «على الهادئ»! كان يريد الاستثمار في أحد الأندية العالمية،اختار نادياً عريقاً لكنه تأخر كما قلنا لأنه تمسك بالزمن الماضي ولم يغير! هذا النادي في مدينة تسمى في إنجلترا «مدينة الحديد» أو steel city، لاشتغال أهلها بصناعة الحديد والصلب، كما أنها مدينة «بداية كرة القدم»، حيث بها أقدم أندية العالم «شيفيلد سيتي»، حيث تم توثيق «أول مباراة رسمية» في 1860، أي منذ 160 سنة، قرن ونصف من الزمن!
النادي الذي اختاره الأمير ابن مساعد هو شيفيلد يونايتد وهو ناد عريق أيضاً تم تأسيسه منذ 130 سنة! شعاره سيفين كبيرين ولقبه «النِصال»: جمع «نصل» أو حد السيف لارتباط النادي ومشجعيه بالمدينة وصناعتها الشهيرة، كان النادي منسياً في الدرجة الأولى في 2012، بعدها بعام بدأ استثماره فيه.
العام قبل الماضي وجدنا النادي يفوز بدرع الدرجة الأولى ويتأهل لدوري البطولة الإنجليزية، لم يمكث فيها طويلاً، بل في نفس السنة حقق الثاني أو «الوصيف» زامن هذا تملكه لكامل النادي، ملكية عربية سعودية كاملة.. و.. المعجزة تحدث: التأهل للبريمرليج!
إذن هناك شيء ما تغير في إدارة النادي، فماذا حدث؟ اللقاء معه منذ أيام فيه «دروس» كثيرة لمن يهتم بالأعمال عموماً والتسويق الرياضي خصوصاً، لأنه عن تجربة حية «نجحت واقعياً»، من هذه الدروس:
- الإنفاق في عالم الاستثمار الرياضي لا يعني «النجاح»، بل الإنفاق «بحكمة»!
شيفيلد يونايتد أحد أقل الأندية إنفاقاً في سوق الانتقالات، مع ذلك يفوز بالدرجة الأولى ووصيف دوري البطولة الإنجليزية ويتأهل للبريمرليج الدوري الأول والأكبر عالمياً بقيمة 9.5 مليار يورو!
- كرة القدم الحديثة: 70 بالمئة «مال»، 30 بالمئة «إدارة»!
خطان «متوازيان» كقضبي القطار، لا غنى لأحدهم عن الآخر وإلا: لا مسيرة للقطار أصلاً!، الإنفاق بحكمة: موجود، ثم كيف تدير النادي، تتعامل مع الأزمات الطارئة، تختار الطاقم الفني و«تجعله يختص» بالملعب، دور الرئيس هنا انتهى! لا أن يجلس الرئيس في دكة الطاقم الفني أو يختار هو التشكيل!
النتيجة «أداء فني قوي» بلا شك، شيفيلد هذا الموسم مع العودة للبريمرليج: يتعادل مع تشيلسي في ملعب الأخير «ستامفورد بريدج»، يفوز على إيفرتون بملعبه «جوديسون بارك»!، يتعادل مع توتنهام، يفوز على آرسنال! في المركز الثامن متخطياً أندية كبيرة كآرسنال و نيوكاسل وساوثهامتون!
«العمل خارج الملعب يجب أن يكون بجهد من هم داخله!»
اللاعبون يجرون ويعرقون، المدرب يأمر ويصرخ! بالخارج جهد مماثل من كوادر النادي الإدارية والتسويقية والإعلامية، فترى وثائقيات احترافية كقصة الصعود بعنوان «العودة»، ومتجر للنادي بمواصفات عالمية يمتلئ بأهالي المدينة الذين يقولون بدهشة وفرح: نصدق بصعوبة أننا سنواجه أسماء كـ«ليفربول» و«مانشستر سيتي» في عطلة أعياد الميلاد، إنها: fairy tale أو قصة خيالية.. جميلة بالطبع!
لا تهتم!
الوقوف على كل رأي والتأثر به «عين الفشل»! يقول مالك شيفيلد كنا في «الهلال» مضغوطين دائماً، حتى لو حققنا الدوري والكأس والسوبر نشعر بالضغط العصبي «لأننا لم نحقق الآسيوية»! بينما الآن في «شيفيلد» بعض الجماهير تقوم بالسباب خاصة على التواصل الاجتماعي كتويتر... (لا تهتم)، ولا توجد «حبة» دواء لعدم الاهتمام، لكنها تأتي مع كثرة التجارب و تدريب و مرَان على: «عدم الاهتمام»!