سارة السهيل
لو تركنا حقبة النظام السابق، وبدأنا الحديث منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، لوجدنا أنه لم تعرف البلاد معنى الأمن أو الاستقرار، واستمرت بحور دم العراقيين تراق يوميًّا تحت ذرائع مختلفة، ووسط برك الدم العراقي الطاهرة ظل الفساد ينخر في كيان الدولة العراقية حتى فاض الكيل، ولم يعد بمقدور الشعب تحمُّل تبعات الفساد؛ فانتفض غاضبًا ثائرًا رافعًا عن كاهله أي رمزية للطائفية. خرج الشعب العراقي ثائرًا على الفساد بعد أن خلع عن كاهله عباءة الطائفية مطلع أكتوبر حتى اليوم، مطالبًا بحقه في الحياة الكريمة ولقمة العيش بعد أن عانى كثيرًا من الفقر والجوع.. وطالب الثائرون بالوظائف والسكن والمياه والكهرباء والخدمات كافة التي هي أبسط حقوق الإنسان في بلد غني بالثروات، لكن تمت سرقة أكثر من 450 مليار دولار منذ عام 2003 حتى اليوم.
من حق الشعب العراقي أن يثور على الظلم والفساد، وأن يطالب بتغيير جذري لمنظومة الحكم. وللأسف، فإن هناك مَن يستغل التظاهرات السلمية المشروعة لأغراض سياسية.. والرد الأمني السريع هو إطلاق الرصاص على المتظاهرين.. فإلى متى يغرق العراق في شلالات الدم؟ نعم، هناك خوف من أن يسرق أصحاب الأجندات ثورة المحتجين، ويقودوا البلاد للهلاك، كما أننا لا نقبل بضياع هيبة الشرطة والجيش، بل إن سحب السلاح من الجميع وتسليح الجيش يعد ضرورة للاستقرار، ومن أراد خدمة الوطن فلينتسب رسميًّا للجيش، لكن هذا لا يبرر قتل المتظاهرين السلميين؛ فهذا عار لا يمكن محوه من تاريخ العراق.
ورغم سلسلة الإجراءات التي اتخذتها السلطات العراقية لاحتواء الاحتجاجات فإن هذه الإجراءات لم تفِ باحتياجات الشعب الثائر، خاصة أن 22.5 % منهم فقراء بحسب الإحصاءات الدولية؛ لأن هذه الإجراءات لم تركز على إعادة الإعمار بالبلاد. والواقع يؤكد عمق الفجوة بين الشعب والكتل السياسية، واستمرار غياب العدل في توزيع ثروة البلاد.. وكشفت صرخات المحتجين عن حقيقة غياب منصة ديمقراطية شرعية للمطالبة بالحقوق الدستورية المشروعة؛ لأنه ببساطة شديدة النواب لا يمثلون من انتخبهم، ولا يؤدون دورهم في توصيل طلبات الشعب للمسؤولين. والنتيجة الطبيعية هي اندلاع المظاهرات والفوضى، واستخدام الأطفال في التظاهرات، وتعريض حياتهم للخطر، بل دفعهم للتطاول على الشرطة والجيش في تجاوز انتهاك صارخ لمعاني الطفولة.
إنَّ استخدام القوة المفرطة بحق المتظاهرين السلميين أمرٌ لم يعد مقبولاً، وقد آن الأوان للحكومة العراقية أن تقوم بالتطهير الذاتي من داخلها لاقتلاع سوس الفساد الناخر في أضلعها. وأول خطوة في هذا التطهير هو كشف المتورطين بالفساد، ومحاسبتهم بكل حزم. وفي نظري، إن الضرورة تقتضي -كما يطالب المتظاهرون- إعادة تصحيح الدستور بما يضمن حقوق الشعب حسب الكفاءة، وبمعزل عن المحاصصة والتقسيم الطائفي.
وفي اعتقادي إن الحكومة مطالبة بوضع خطة قابلة للتنفيذ الفوري على الأرض للإصلاح السياسي الذي يقود إلى إعادة توزيع ثروات البلاد بشكل عادل في المناطق كافة، والإسراع في تنفيذ خطط متوازية لدعم الخدمات الصحية والتعليمية في المرافق الضرورية كافة.