محمد آل الشيخ
المتابع للشأن اللبناني سيلحظ بوضوح أن المتظاهرين هناك يرفضون الطبقة السياسية بجميع توجهاتها الطائفية والحزبية، ويطالبون باستبدالها بحكومة (تكنوقراط) متخصصين، بلا انتماءات حزبية، وهم يعتقدون أن حكومة كهذه ستكون مؤهلة لأخذ مركب لبنان إلى شاطئ النجاة؛ والسؤال في هذا السياق هل هذا يحمل ولو قدر ضئيل من الأمل والمعقولية؟
مشكلة لبنان الأهم هي أنها دولة على شفير الإفلاس إذا لم تكن مفلسة بالفعل، رؤوس أموال مصارفها ذهبت كقروض لتسد عجز الميزانية الحكومية كما يقولون، لكن القروض هذه شارك في نهبها وسرقتها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة الطبقة المتسلطة وأصحاب النفوذ من رجال السياسة وزعماء المذاهب، لذلك فالتكنوقراط عندما يتولون - فرضاً - العمل في حال قبل الساسة المتصارعون حكومة تكنوقراط فلن يجدوا من الثروات ما يمكن أن تكون وسيلة لإنقاذ الدولة من مأزقها الاقتصادي، الأمر الذي سيضطرهم إلى الاقتراض من الخارج، ودور الإقراض الخارجية لن تقرضهم إلا بإصلاحات هيكلية، يأتي في قمتها التي لا مناص منها زيادة الرسوم والضرائب، وهذا ما لن يقبله اللبنانيون في النهاية. أما المطالبة باسترداد الأموال المنهوبة، على افتراض أن هذا الاسترداد ممكنا، فسوف يتطلب قضاء نزيها وهذا في لبنان أمرٌ متعذر إلى درجة كبيرة، فالسياسيون أفسدوا السلك القضائي وسيسوه بشكل أفقده صدقيته وثقة الناس فيه، أضف إلى ذلك أننا لو سلمنا بإمكانية ذلك جدلاً، فالأمر لن يتم بين يوم وليلة، وإنما يتطلب مسيرة طويلة قد تصل إلى سنوات.
لبنان مشاكله متركمة، ومتشعبة، يتداخل فيها السياسي بالمذهبي، والخارج بالداخل، ويمكن القول إن الانتماء (للوطن) شبه غائب، والانتماء الحقيقي للطائفة، وبعض الطوائف كحزب الله -مثلا- تعلن على روس الأشهاد وبدون أي قدر من الحياء، أنها ولاية تأتمر بمقتضيات أوامر الولي الفقيه في إيران، بمعنى أنها (ولاية) فارسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ حتى أن أحد ملالي إيران هدد إسرائيل بكل وقاحة مغلفة بالتعجرف بأنهم سيمحون إسرائيل من الخارطة من خلال ذراعهم في لبنان، ولم ينبس واحد من حزب الله ببنت شفة.
حتى لو أمعنا في التفاؤل، وافترضنا أن حكومة التكنوقراط المتخصصين ستنقذ لبنان إذا استطاعت أن تستقطب الإعانات المالية من الغرب ومعها القروض الميسرة، فكيف تستطيع حمايتها من (غيلان) لبنان، واستثمارها في مكانها المناسب، وتُعين لبنان ليتحول من دولة ريع إلى دولة إنتاج؟.. فالجيش وقوى الأمن الذي يُفترض أنها ستقوم بهذه الحماية هي إذا ما قورنت بأسلحة حزب الله تعتبر متواضعة، ومتواضعة جداً، وليس لدي أدنى شك أن حزب الله إذا أحس بالاختناق، وتوقفت معونات إيران له، سيجد ألف طريقة أو حيلة للانقضاض على المصارف اللبنانية، ولن تستطع هذه المصارف، بل ومصرف لبنان - (البنك المركزي ) - ذاته إلا التسليم والسمع والطاعة للحزب ذي الأنياب الشرسة.
لذلك فمشكلة لبنان عويصة ومعقدة، بل وتكاد تكون مستعصية، ومن أي زاوية نظرت إليها ستجدها غاية في التعقيد والتشابك، ولا حل لها إلا بسقوط دولة الملالي وغيابها عن وجه الأرض.
إلى اللقاء