د.عبد العزيز الصقعبي
«لا بد أن أدلي بدلوي في هذا الحديث»..
هذا هو منذ أن عرفته، يحب الجدل، ويشارك في كل نقاش، يحب أن يتحدث، ويرى أن رأيه هو الصواب، لذا تعودنا على جدله، وتركناه يمارس متعة الحديث، كان هو واحدًا من مجموعة أصدقاء نلتقي أحيانًا في بيت أحدنا، ولكن غالبًا تجمعنا المقاهي، نتحدث بصفة دائمة عن بعض الهموم الثقافية، وأحيانا الشأن العام، ونادرًا الرياضة، وهذا غريب على مجموعة من -مجازا نقول- الشباب إلا تكون معشوقة الجماهير محور حديثهم، ليست لدينا ميول رياضية لأسباب ربما من أهمها نفور بعضنا من ممارسات الصحف وتحديدًا الصفحات الرياضية التي تبث التعصب المقيت الذي تحول الآن إلى مواقع الإعلام الجديد، بعد انتشار القنوات الرياضية، نعود لصاحبنا الذي يهمه أن يشارك في كل حوار، ذات يوم قرر أن يكون شاعرًا، نحن نعرفه ونعرف مدى ضحالة ثقافته، ونعرف أيضًا أنه يحب الثقافة والأدب، ولكن من خلال ما يسمعه ويشاهده، بمعنى أن علاقته بالقراءة سيئة.
أُعجب بمحمود درويش ونزار قباني وغازي القصيبي بسبب حفظ بعض الأصدقاء مقاطع من شعرهم، وسمع من صديق آخر أن أدونيس ليس بشاعر وقصيدة النثر لا علاقة لها بالشعر فتبنى هذا الرأي، قرأ علينا قصيدته التي كتبها، التي جمعت بين الفصيح والشعبي والغنائي، بالمناسبة هو يحفظ بعض قصائد دايم السيف وبدر بن عبدالمحسن المغناة، ويسمع ويحب محمد عبده، ولكن عند الجدل حول الأغنية المحلية يصرُّ على أنه طلالي الهوى، ولا يسمع غير طلال وفيروز، ليست هذه ازدواجية لديه، ولكن مثل كثير من الناس، ليس لهم رأي ثابت تجاه أي شيء، ويحتاجون إلى برامج مكثفة ليعرفوا كيف يمارسون الحياة على أصولها، سأله أحد الأصدقاء بعد أن ألقى قصيدته «الكوكتيل» هل أنت فعلاً شاعر، رد عليه أنه يمتلك الموهبة الشعرية منذ الصغر، ولكن وأدها خوفًا من يسمع نقدًا حادًا يسيء إليه، ليقول آخر: منذ الصغر وأنت تخاف النقد، وليجيبه أنه حين كان صغيرًا لم يكن لديه القدرة على الجدل والنقاش، والآن كما يقول «أنا مستعد لكل رأي حول قصيدتي، ويكمل قائلاً « بالمناسبة.. أنا متعمد دمج الفصيح مع الشعبي مع مقاطع تنحو للشعر الغنائي، هذا شيء من التجديد، لم يقتنع أحد برأيه، لأن ما قاله من كلام يرى أنه شعر ليس بشعر، وعندما قوبل بهذا الرأي وبالإجماع، قال وهل «كلام أدونيس وشلته مفهوم ويعد شعرًا، دار الجدل وطال لا سيما وأن أحد الأصدقاء من الشعراء الذين يميلون لكتابة قصيدة النثر، بالطبع ذلك الصديق صاحب القصيدة الذي يحب الجدل، حين شعر بأن ما كتبه نابع من رغبة أن يرضي جميع الأذواق، الفصيح والشعبي والغنائي، قرر أن يأخذ رأي الجميع عمّا هو النسق الأفضل ليتفرغ له، وكان الإجماع على أن يتفرغ للجلوس معهم ومواصلة الجدل، لأن مداخلاته تعطي بعض الطرافة وتكسر حدة الجدية في الحوار.
صديقنا الذي يحب أن يدلي بدلوه، أراه في هذه الأيام يشارك في برامج حوارية تلفزيونية، ولا نستغرب أنه في إحدى القنوات يتحدث عن «إيران وتخصيب اليورانيوم» وفي قناة ثانية يتحدث عن «ارتفاع أسعار البصل».