محمد عبد الرزاق القشعمي
وأردف متفلسفاً وقائلاً: «ذكرت سابقاً أن لي تجارب كثيرة في هذه الحياة الدنيوية، وأوجزت بعضها، وهناك تفصيل أكثر:
1- الحياة التي نعيشها تقوم على مبدأ الأخذ والعطاء.
2- لا شيء في الدنيا دون مقابل، حتى البسمة المرسومة على الشفاه النابعة من القلب.. لابد أن يكون لها عائد.. فإذا ابتسم الزوج لزوجته فهو يأمل في تلقي مزيد من العطف والحنان والدفء. والزوجة إذا ما كانت عازمة على (تنظيف) ما في جيب زوجها من نقود.. فهي تفعل المستحيل، من أجل إسعاد الزوج، ولو ظاهرياً، حتى لا يجد أمامه أي فرصة للانفكاك من سجنها الذهبي، كما يقولون والسجن الحديدي كما أعتقد وأجزم بعد تجربة أربعين عاماً في هذا السجن.. ولله الحمد على (الفكاك) من أبواب السجن المخيف!؟
3- ومع كل هذا وذاك فالله أسال أن يختم لي بصالح الأعمال وأن يتوب عليَّ ويغفر لي خطاياي ويحشرني مع عباده الصالحين في جنات النعيم».
وهذا قد كنت ألتقيه في زيارات متفاوتة للأستاذ فهد العريفي أيام مرضه وقبيل وفاته -رحمهما الله- مع بعض الأصدقاء، وكنت أتجرأ عليه وأناكفه بالهمز واللمز وكان يغضب عندما أدعوه بأبي هاشم.. فيصحح لي بأنه أبو هشام فاتصنع النسيان وأكرر دعوته بأبي هاشم فيتظاهر بالغضب وهكذا..
وبعد وفاة العريفي لم أعد أراه وبعد سنتين سمعت بوفاته - رحمهما الله.
كتاباته الصحفية:
بتتبع سريع وجدته يكتب في صحيفة (البلاد) من جدة مع غيره من كبار الكتاب في الصفحة الأخيرة تحت عنوان: (على هامش الأيام).
- وفي صحيفة (حراء) التي تصدر من مكة، نجده يكتب بها ضمن العدد 63 الصادر - في 14-6-1377هـ 4 يناير 1958م تخصص أول صفحة للمرأة تحت عنوان: (صفحة حراء النسائية.. تصدر شهرية مؤقتاً، نجد زوجة الأستاذ أحمد طاشكندي (سميحة أحمد) تنضم لمحررة الصفحة نبيلة عبد الهادي خليل لتكتب فيها، ويشاركها زوجها أبو هشام باسمها كما قال لي فاعتبرت سميحة أحمد أحد أسمائه المستعارة.
كما نجد في العدد 41 الصادر في 5-2-1377هـ 1957م أحمد طاشكندي يكتب تحت عنوان: (الصناعة هي مستقبلنا) نختار منه قوله: «.. إن الصناعة هي مستقبلنا، فلابد أن نخلق الوعي الصناعي في البلاد.. وأن نوجد طائفة المتخصصين والخبراء في العلوم الصناعية من أبناء البلاد أنفسهم وليس من أبناء البلاد الأخرى.
وأن تشرف على شؤون العمران والصناعة وزارة للصناعة تقوم بدراسة حالات التقدم الصناعي في البلاد المتقدمة صناعياً وتدخل منها ما يتلائم وطبيعة بلادنا.. بلادنا الوافرة بالخيرات، الغنية بالخامات الحيوية كالبترول والمعادن والذهب!
إن المستقبل لنا.. والحياة في تطور وتقدم دائماً.. ونحن نعيش في عصر الذرة.. ولابد.. من أن نسير مع الزمن.. لابد من أن نصنع بلادنا.. لابد من أن ننظم اقتصادياتنا على أسس سليمة كأن نشجع الأفراد على استثمار مدخراتهم في مجال الصناعة، وهو مجال واسع وكبير، علينا أن نؤسس الشركات الصناعية المساهمة.. نؤسسها من أموال ومدخرات الأفراد الصغيرة.. علينا كذلك أن نراقب أعمال مثل هذه الشركات حتى لا تكون أداة تلاعب وتغرير بالجمهور!
إن المستقبل باسم.. ونستطيع أن نزيد في جماله متى أقمنا المصانع، وأسسنا الشركات، ووجهنا اقتصاد بلادنا إلى ما فيه خيرنا ونفعنا!
إن أمماً عديدة قد سبقتنا في مجال التقدم الصناعي.. فلماذا لا نحذو حذوها ونسير على خطاها، إننا لا ينقصنا شيء!! رؤوس الأموال المتوفرة، والكفاءات موجودة وستوجد بشكل أوضح في المستقبل القريب.. وعلى مر الأيام.. والمستقبل لنا.. والصناعة هي مستقبلنا..».
- وفي صحيفة (الخليج العربي) - الصادرة بمدينة الخبر- نجد أحمد طاشكندي يحرر الصفحة الخامسة والمخصصة للمال والاقتصاد من العدد 60 الصادر يوم الأربعاء 19-4-1379هـ الموافق 21-10-1959م فنجده يكتب كلمة الصفحة بعنوان: (نريد مشروعات صناعية) فدراسة اقتصادية يوقعها باسم (أبو هشام) وهو اسم ابنه الأول بعنوان: (المجالس واللجان المشتركة في قانون العمل الموحد)، فموضوع ثالث بعنوان: (لنستفيد من تجارب غيرنا)، وخبر مهم يقول: «سيعقد في جدة يوم 26 أكتوبر الحالي اجتماع خبراء البترول العربي، وسيكون اجتماع هؤلاء الخبراء على مستوى لجنة متفرعة من مؤتمر البترول العربي الذي عقد أول اجتماع له في أبريل الماضي بالقاهرة، ومن المنتظر أن يعرض مشروع إنشاء خط لنقل البترول العربي عبر البلاد العربية في هذا الاجتماع». وخبر آخر يقول: «إن مجلس الشورى قد فرغ من دراسة نظام الشركات وأنه سيرفع إلى مجلس الوزراء خلال أسبوع، ويقع النظام في 325 مادة ويشتمل على كل ما يتعلق بشركات الأشخاص وشركات الأموال».
وفي الصفحة الحادية عشرة وتحت عنوان: (آراء.. وخواطر.. وأفكار) بتوقيع فتى الخليج العربي [وهو الاسم المستعار ليوسف الشيخ يعقوب] نختار منه: «.. من أجل الثقافة كتب الأستاذ الطاشكندي بهذا العنوان.. راح يبحث في كل زاوية، وفي كل مكتبة، عن كتاب يبحث عن تاريخ المنطقة الشرقية.. فلم يجد شيئاً.. إنه ولا شك القحط الفكري الذي عندنا.. فهل نجد لكلمته الهادفة سمعاً، من الذين يستطيعون أن يساعدوا كل باحث عن تراثنا التاريخي والفكري..».
كما نجد زوجة الطاشكندي (سميحة أحمد) تعد وتحرر الصفحة النسائية بالخليج العربي باسم (نسائيات) وتشمل موضوعين: (كلمتي: عيوبنا وتقاليدنا) و(طفل جديد من الأسرة).
- ونجد الطاشكندي يشن هجوماً شديداً على شركة (أرامكو) في صحيفة الندوة تحت عنوان: (أرامكو وامتياز الزيت) من تسع حلقات من تاريخ 3-4-1379هـ - 5-10-1959م وحتى 2-5-1379هـ 3-11-1959م وينهيها في صحيفة الخليج العربي بثماني حلقات من تاريخ 4-5-1379هـ 26-11-1959م إلى تاريخ 29-12-1379هـ - 23-6-1960م ويطبعها بكتاب يحمل العنوان. أرامكو وامتياز الزيت.. بقلم أحمد طاشكندي (خبير) 1380هـ دار ممفيس بالقاهرة، وقد كانت شركة أرامكو تجمع نسخ هذا الكتاب وتبعثها مع رجيع الأثاث لمكان خارج مكاتبها بالظهران لإحراقها، وكنت أذكر أنني خلال عام 1385هـ أزور عمي سليمان - رحمه الله - إمام جامع الظهران، وكان ابنه محمد يدرس في المدرسة الابتدائية بالظهران، وكانت المحرقة قريبة من المدرسة وكان الطلاب يذهبون بعد خروجهم للبحث عما يجدوه مفيدًا، وقد أحضر معه مجموعة من هذا الكتاب فطلبت منه المزيد في المرة القادمة، وفعلاً أحضر معه رزمة لا تقل عن 50 نسخة أخذتها ووزعتها على الأصدقاء والمهتمين ومنهم من سبق له العمل في (أرامكو) ولمسوا الشيء الكثير مما ينتقده المؤلف ومطالبته بمساوات العمال السعوديين بغيرهم وتأمين احتياجاتهم الضرورية وغيرها.
إذ قال بكل تواضع في مقدمة هذا الكتيب: (.. ولست أدعي لنفسي عملاً خارقًا أتيت به عندما نشرت تلك المعلومات عن علاقة الشركة بعمالها وموظفيها العرب السعوديين.. أو عندما نبهت المسؤولين إلى مدى الخطر الذي قد ينتج من تمادي الشركة في تصرفاتها الخاصة باستغلالها لهذا المشروع الكبير في هذه الفترة الدقيقة من تاريخ تطورنا الاقتصادي.. وإنما هي مجرد محاولة صادقة قمت بها خلال العامين الماضيين، سردت فيها أهم الأحداث والتطورات في صناعة الزيت السعودي، في أسلوب مبسط دون ما تعقيد أو غموض، متوخيًا جانب الصدق والأمانة..».
وبعد مقابلتي له بعد تقاعده واستقراره بالرياض، دعوته لزيارة مكتبة الملك فهد الوطنية، للتسجيل معه ببرنامج (التاريخ الشفهي) فرحب وحضر صباح يوم 8-11-1423هـ - 11-11-2003م وعلى مدى ثلاث ساعات بدأ يروي تاريخ حياته والمحطات المهمة في سيرته الذاتية، فذكرت له موضوع كتاب (أرامكو وامتياز الزيت) وتجميع الشركة له وإحراقه، وأنه لم يبق عندي شيء منه فبحث لي عن نسخة منه أو لما لم يجد صور لي نسخته الخاصة وكتب عليها إهداء (إلى الأستاذ محمد القشعمي مع أطيب تحياتي. توقيع 8-11-1423هـ - 11-1-2003م.
هذا، وقد كتب أبناؤه نعيه بصحيفة الرياض صباح يوم الأربعاء 24-2-1428هـ الذي وافاه الأجل صباح أمس الثلاثاء - رحمه الله.