د. عائشة الفيحان
ما من شك أن الجامعات تعد الهرم المعرفي في المؤسسات العلمية والمعرفية في أي بلد، فهي مؤسسة لا تعيد إنتاج المنتج، لكنها تخلق وعيا، وتعمل على وضع حلول جذرية لمعضلات قد تواجه المجتمعات بمؤسساتها المتنوعة، وذلك بطريقة علمية منظمة ومنتظمة تخضع للملاحظة والاختبار من أجل الوصول إلى نتائج علمية دقيقة تقل فيها نسبة احتمالات الخطأ إن لم تنعدم كليا.
ولأن ذلك كذلك فإن الباحث/الأكاديمي من أهم عناصر هذه المؤسسة الأكاديمية، وهذا العنصر لن يكون فاعلا بالشكل المطلوب إلا إذا توفرت له مناخات العمل المطلوبة، أي إذا توفرت له الرعاية الكاملة لينتج ما يخدم المجتمع، ويستمر في عطائه البحثي المطلوب، ونجد أن ذلك قد برز في جامعة حائل التي توفر ما يحتاج إليه الباحث، وهو ما يمكن استجلاؤه بشكل واضح من خلال موسوعة منطقة حائل التي رعتها وأصدرتها جامعة حائل مؤخرًا فقد ضمت الموسوعة خمسة مجلدات: «التعليم والثقافة في منطقة حائل، والتراث والسياحة في منطقة حائل، والتنمية الريفية والحضرية في منطقة حائل، والإنسان والتنمية الاجتماعية في منطقة حائل، والتنوع الإحيائي في منطقة حائل»، وهي موسوعة –كما توضح محاور البحث فيها- قد غطت جميع جوانب الحياة في المنطقة، وأسهمت بشكل واضح في إظهار الجوانب المشرقة في المملكة عموما، وفي منطقة حائل خصوصا، فهو عمل -إذن- جدير بالتقدير، والإجلال، لا لما قدمته فقط، بل لما بذل فيها من جهد على الأصعدة كلها، وهو جهد جعلها ترى النور بهذا العمل الأكاديمي الرصين، ويمكن أن نعدها بذرة أولى ستتلوها بذور على صعيد مناطق وجامعات المملكة كلها.
إن ما قدم في هذه الموسوعة من جهد جليل محسوب لرجل الأعمال سعادة الدكتور ناصر إبراهيم الرشيد، الذي دعم الفكرة منذ أن كانت بذرة حتى استوت، وهذا العمل لا يصدر إلا من مثقف عضوي يسعى إلى خدمة مجتمعه أولا، ويجل الباحثين ثانيا، فقد رعى هذا المثقف الأكاديمي كرسيا بحثيا في الجامعة.
كما أن الجهود التي بذلها مدير الجامعة لا يمكن إغفالها، بل تستحق الثناء، فقد حرص على المتابعة الحثيثة واستطاع أن يدير خمسين باحثًا عملوا بصبر وأناة على إخراج هذه الموسوعة، التي تعد مرجعًا علميًّا لكل من يبحث في شؤون حائل وفي شؤون إنسانها وزمانها ومكانها، وما أحوج الجامعات إلى مثل هذه المشاريع التي تسهم في خلق وعي حضاري ومعرفي.
إن انتساب الأكاديمي إلى جامعة تدعم البحث العلمي، وتعمل على تحفيز الباحثين من أجل الإنتاج الذي يهدف إلى الرقي، لهو شرف كبير، ويعمل على خلق السكينة في روح الباحث، ويخدم المجتمع والبلد برمته.
إن ما قامت به جامعة حائل –في هذا المجال- يعد بادرة ضوء علمية نأمل أن تلحقها جهود مماثلة من الجامعات كلها في المملكة، إذ سيسهم ذلك في خلق مزيد من النهوض والتنوير والتأسيس لمستقبل أكاديمي فاعل يقترن بالمجتمع بشكل مباشر.