د.عبدالله مناع
ليس هناك من تفسير لهذا (الإقبال).. الذي تفاوتت الصحف المحلية في تقديره بين (84 ألف) زائر كما قالت صحيفتنا «الجزيرة».. و(مائة ألف زائر) كما قالت صحيفتنا «عكاظ» و»البلاد»، الذين شكَّلوا حجم زوار معرض جدة الدولي الخامس لـ(الكتاب) في أيامه الأربعة الأولى.. إلا أن أبناء المنطقة الغربية أو الساحل الغربي للمملكة.. بما فيه من محافظات ومدن كـ(ينبع البحر) و»الوجه» و»أملج» شمالاً، و(الليت) و»القنفذة» جنوباً.. يحبون (الكتاب)، ويسعون إلى اقتنائه.. رغم المشقة والمعاناة، وما يتكبده هؤلاء المواطنون والمقيمون من (مصاريف) مرهقة في سبيل اقتنائه!! فـ(معرض جدة الدولي للكتاب).. ومنذ دورته الأولى قبل خمس سنوات - وكما علم الزائرون من القراء والناشرين - يقام داخل (خيمة) ضخمة تبلغ مساحتها عشرين ألف متر مربع.. في منطقة نائية، تبعد عن قلب مدينة جدة بـ(أربعين كيلاً).. فوق ما تسميه المحافظة و(الأمانة) بـ(أرض الفعاليات)، التي ليس لها من ميزة غير إطلالتها على شواطئ (أبحر الجنوبية) الذي يستخدمها شباب جدة وسكانها كـ(بلاج) يستحمون فيه في أيام الإجازات ونهاية الأسبوع!؟
لكن.. وقبل أن يتحول هذا (الإقبال) الذي تحدثت عنه صحافتنا إلى (زحام).. كنت قد تلقيت (دعوة) من الصديق العزيز الدكتور عبد الله دحلان لحضور (حفل توقيع) كتابه الجديد: (طموح وطن) على إحدى منصات التوقيع المحدودة العدد في أحد أركان الصدارة من (المعرض) في مساء اليوم التالي ليوم الافتتاح، لأسعد بتلك الأعداد من الأصدقاء الذين شاركوا في حفل التوقيع.. وبأضعافهم من (القراء) ممن شاركوا في (الحفل)، وكل منهم يرغب في الحصول على (نسخة) بتوقيع من (المؤلف).. وربما التقاط صورة فوتوغرافية معه تخليداً لـ(ذكرى اللحظة)!!
كان (الكتاب) يتحدث عن (رؤية) المملكة لعام (2030)، التي صاغها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، واعتمدها مجلس الوزراء.. بلغة سهلة ميسرة في متناول القراء جميعاً.. أما «فكرة» حفل التوقيع على الكتب في (معارض الكتب الدولية).. فهي (فرنسية) الأصل والمنشأ!! وقد استخدمها (عربياً) لأول مرة شاعرنا العربي المبدع والكبير الأستاذ نزار القباني.. عندما وقَّع على أحد (دواوينه) الشعرية لأول مرة بأحد معارض بيروت الدولية للكتاب، لتغزو «الفكرة» بعد ذلك معارض الكتب الدولية في العالم العربي.. بل ويصبح تقليداً أصيلاً من تقاليد (معارض الكتاب العربي الدولية).
بعد أن توقف سيل الراغبين من زوار المعرض.. في الحصول على نسخة مجانية ممهورة بتوقيع (المؤلف).. كان أمام جمع الأصدقاء المشاركين في (حفل التوقيع) فسحة من الوقت.. لإلقاء نظرة أولى على محتويات (المعرض في نسخته الخامسة) من داخل قاعاته وممراته وما يتيسر لنا من زيارة لبعض مواقع دور النشر فيه.. لتفاجئنا تلك التعديلات الهندسية لمواقع الناشرين، وقد غُطيت أرض المعرض كلها بـ(بساط) رمادي راقٍ.. أما (سقف المعرض) فلم يعد كما كان من (أقمشة الخيام)، ولكنه تغير إلى (ألواح بلاستيكية) سمنية اللون.. إلا أن هذه التغييرات الهندسية على جمالها كانت تبعث في نفوسنا بعض (الرعب) بما توحيه من استمرار الشركة (المنفذة) في إقامة هذه (الخيمة) وإزالتها كل عام.. خصوصًا أن الأخبار المتداولة كانت توحي باستمرار (معرض جدة الدولي للكتاب) إلى ما شاء الله، من السنوات.. وهو ما جعل مجموعتنا المكونة من بعض الكتاب والصحفيين والناشرين وبعض رجال الأعمال تحسم موعد لقائنا بـ (التأكيد) عليه مساء يوم الأحد الماضي بـ(المعرض) لتداول الرأي، (الرأي) حول المعرض و(خيمته) و(سلبياته) عموماً وسلبيات (خيمه) و(موقعه).. خصوصاً مع ارتفاع أسعار إيجاراته - لدور النشر - بـ(مائتي دولار) للمتر الواحد.!؟
قبل أن تلتفي مجموعتنا مساء يوم الأحد الماضي بأحد (مقاهي) المعرض الممتدة على شاطئ أبحر.. كانت الأخبار قد تسربت إلى (المجموعة) بأن (وزارة الثقافة) قد أسندت رئاسة لجنة الإشراف على (فعاليات) المعرض الثقافية للأستاذ الدكتور عبد الرحمن العاصم من جامعة الإمام محمد بن سعود، وقد أثنى الجميع عليه وعلى حسن اختياره.. مما جعل (الآمال) تعاود الأعضاء مجدداً في أن يكون لـ (العروض السينمائية) مساحتها الزمنية في هذه (الفعليات)، أما أولئك الذين حلموا بأن تكون للفنون الشعبية والتراثية كـ (الصهبا) والمزمار و(المجرور) بتقديمها في ليالي الخميس والجمعة من ليالي المعرض.. فقد ظهر أنهم ما كانوا (يحلمون) فقط.. بل كانوا (يهرطقون) في أحلامهم!! فقد خلا المعرض من كل ذلك.. فلا عروض سينمائية أو مسرحية فضلاً عن تقديم فنون المزمار والصهبا والمجرور.. بل وحتى الفعاليات الثقافية البحثة من ندوات وأمسيات شعرية أو قصصية وإن عُلم بها إجمالاً.. إلا أنه لم تُعرف أجندة مواقعها وأزمانها، وهو ما يدعونا للتوجه بالدعاء للدكتور عبد الرحمن العاصم.. بـ(الصبر) حتى ينتهي خلاف (الصلاحيات) - الذي قيل إنه - قائم بين الوزارتين المعنيتين بـ (الكتاب) ومعارضه: «الثقافة والإعلام»...!!
على أي حال.. التقى جمعنا في ذلك (المقهى) لتداول الرأي حول (سلبيات) معارض الكتاب الدولية في جدة.. فكان أولها: الخلاف حول (الموقع) بين أقلية تؤيده بسبب إطلالته على شاطئ أبحر.. وأكثرية ترى أن بُعده عن قلب المدينة يشكل عائقاً حقيقياً أمام إقبال الزائرين لـ(المعرض) والناشرين فيه بحد سواء مع غياب مواصلات عامة أو (ترددية) مؤقتة للنقل من جدة إلى المعرض ومن المعرض إلى جدة.. بينما كان هناك إجماع على رفض فكرة إقامة معرض دولي للكتاب - مدينة جدة في داخل (خيمة)!! إذ لا يتفق ذلك وسمتها الجمالية كـ(عروس للبحر الأحمر).. إلى جانب القيمة الإيجارية العالية التي فرضتها الشركة المنفذة على الناشرين (200 دولار للمتر الواحد)!! وقد أضيف إلى ذلك في بعض السنوات والأخيرة منها (غياب) الخدمات البريدية من المعرض.. إلى جانب غياب خدمات (الترولي) لمساعدة الزائرين في حمل مشترياتهم من الكتب والتنقل بها بين دور النشر المختلفة.. حتى خروجهم من (المعرض).
ربما كانت هذه هي أهم السلبيات التي تداولناها.. حرصاً منا على تذكير المسؤولين بها، لتفاديها.. حتى يستمر معرض جدة الدولي للكتاب عاماً بعد عام في أحلى وأبهى صورة.. خصوصًا أن المعرض في دور الخامسة القائمة.. كان وكأنه يحمل رسالة تقول: إن أبناء المنطقة الغربية.. والساحل الغربي للمملكة (يحبون) الكتاب...!!