فوزية الجار الله
اطلعت مؤخراً على مقطع فيديو تضمن حواراً بين مذيعة وإحدى الشخصيات النسائية، الحوار مقتبس من أحد البرامج التلفزيونية، والمرأة لا تبدو لي من الشخصيات الفنية أو الإعلامية الشهيرة لكنها فيما يبدو شهيرة بضخامة أرصدتها المالية، هكذا فهمت من الحوار، التقطت شيئاً من حديث هذه الشخصية الغنية، والغنى صفة واسم من أسماء الله الحسنى أولاً وآخراً.
تحدثت هذه السيدة بمنتهى التعالي والفوقية عن عامل النظافة الذي حالما يراها يهرع مسرعاً لإلقاء التحية عليها، وتقول إنها تعلم جيداً بأنه ليس صادقاً في هذه التحية وأنها من أجل الحصول على المال، لذا أبوح له بإحساسي هذا وتضيف ثم أقول «لن أعطيك مالاً»!
ثم تردف هذه العبارة بضحكة مجلجلة!.. هذا العامل البسيط، لم يكن ليصبح في مثل هذا الموقف المنكسر الذليل إلا بسبب الفقر والحاجة، ولا أرى في ذلك ما يثير الضحك وإنما الدعاء والشكر على النعم.
أذكر أنني في مرحلة مبكرة من عمري قرأت قصة أسطورية للأطفال، القصة تقول إن ملكاً من ملوك أحد الأزمنة القديمة كان له ابنة متعالية، متكبرة، وأنها حين أصبحت في سن الزواج تقدم لخطبتها الكثير من الرجال من كل الطبقات وأنها لم تقتنع بأحد منهم، ليس ذاك وحسب وإنما كانت ترد بمنتهى الصلف والسخرية عليه أمام الحاشية، فربما تنتقد هيئته أو اسمه أو أي شيء آخر له صلة به، وكثيراً ما كانت تنتقد الفقراء خاصة، بمعايرتهم بمستوياتهم الاجتماعية أو بثيابهم المتواضعة ويصحب ذلك ضحكات مجلجلة..
ضاق الملك ذرعاً بابنته المتكبرة ولم يعد يرى تشريفاً بانتمائها إليه وقد أراد أن يؤدبها ويلقنها درساً لا تنساه فاتفق مع أحد الأعيان، وهو شاب أحبها وتقدم لخطبتها وقد كان ثرياً إلا أن الملك اتفق معه بأن يرتدي ثياب الفقراء ويتخذ لها مسكناً متواضعاً وليكن كوخاً، وهذا الاتفاق هو شرط للموافقة على زواجه بابنته، وهكذا أجبر الملك ابنته على الزواج بهذا الفقير ولم يأبه لبكائها وتوسلاتها، تزوجت رغماً عنها وغادرت القصر والنعيم إلى كوخ حقير، مع هذا الشاب الفقير الذي يذهب لكسب قوته صباحاً ويعود مساء، على أن تقوم هي بواجبات المنزل من طبخ وتنظيف، وأن تعاشر الجيران الفقراء في الحي نفسه، مضت بضعة أيام من المعاناة كانت كفيلة بانهيارها وإذعانها وإدراكها إلى أي مدى كانت مخطئة وظالمة، وتنتهي الحكاية على خير، لعل هذه القصة حكاية أسطورية قلما يحدث مثلها في الواقع، إن لم يكن أمراً مستحيلاً، لكن أتمنى أن يحدث للسيدة صاحبة الحوار والضحكة المجلجلة مثل هذا الاختبار لتعلم حقيقة الحياة وماذا يعني الفقر والغنى؟ وأنهما ليسا معياراً للرفعة أو التميز.. {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.