علي الخزيم
كانت - ولا زالت - بعض قبائل العرب إذا ولدت الناقة حواراً؛ ويرغبون منعه من حليب أمه للانتفاع بالحليب لغرض آخر، يُجَهِّزون لها البَوّ لتعويضها بجسد يشبه الحوار بلا روح وعواطف؛ وبلا مشاعر تستقبل حنانها الدافق تجاه وليدها فتدر الحليب، فهو مُجسَّم يتكون من جلد حوار محنط، أو محشو بالتبن والحشائش ونحوها، وكلمة بَوّ تعني الفارغ، كما أن لها استخدامات عند العرب كالأحمق والمُقلِّد المُحاكِي، وأغلب اشتقاقاتها لا تدل إلَّا على الزيف وقلة الوعي والصفاقة وخفة العقل.
البَوّ (المُتشدِّق المُتَفَيهِق) فقير فكريًا ضحل الثقافة والمعرفة؛ يشعر دوماً بقصوره عن بلوغ درجة النضج العقلي والنفسي، فيلتمس لذاته مخرجاً ومتنفساً، كأن يقصد مجالس بعض من يشعر أنهم قد تجاوزا أزمته ونالوا نصيباً معرفياً أخرجهم من دائرته وبيئته، فيقحم نفسه بمحاورات الجلساء وتبادلهم الأفكار والمعارف، وتناقلهم لنوادر الشعراء والكتَّاب وتحفهم الإبداعية، وينكشف أمره لمن يجهله من خلال مغامراته غير المحسوبة واندفاعه الصبياني القاصر بالمجادلة البلهاء للعقول النابهة المتنورة من الحضور، وادعائه الباهت بالاضطلاع بشتى الفنون والمعارف، فلا يجني حينها سوى مزيد من كشف عوراته الذهنية، وتعكيره لصفو وانسجام مجلس المتذوقين لمثل هذه اللقاءات بمضامينها الأدبية الفكرية.
ولا يستطيع البو الفارغ الولوج لمجالس ذوي النهى إلَّا بسلاح وذخيرة حيَّة من الوقاحة ونبذ الحياء وانتهاك المروءة الشخصية، ولتمكين هذا السلاح من المواجهة الفجَّة؛ لا بد من افتعال مؤثرات نفسية يتسلق بها على مفاهيم الحضور، وتسفيه بعض آرائهم وأطروحاتهم، رغم علمه بقرب تفنيده وسرعة لطمه بفحوى ركاكة مداخلاته، لكنه الهدف اللحوح والنفس العطشى لمثل هذا الموقف تُحَفِّزه لمزيد من التقدم وشق صف المتحاورين ليجد له فتقاً ينفذ من خلاله للحديث كمشارك فعَّال، ليشبع نهم غروره، أو هو سدٌ لنقص وفراغ نفسي يشعره بالوحدة والإقصاء عن محيط اجتماعي لا يتآلف معه بسبب هذه الآفة.
يلبس البو بكل مواجهة قناعاً وجلداً مختلفاً لا يقل سوءًا عما سبقه من زيف وادعاء بأنه على رأس الذؤابة عقلاً وفكراً، حتى ليُخيَّل إليك أنه سيقسم يميناً غليظاً بأنه أول من أوحى للبروفيسور عبدالله الغذامي بفكرة كتابه (القصيدة والنص المضاد)، وأنه من اختار عنوان (من السحارة)، وهو الذي نبهه وأيقظ مشاعره ليكتب (ثقافة الوهم) وما تضمنه من مقاربات لطيفة، ولا يستنكف البو بأن يدَّعي أنه ملهم الشاعر البحريني علي النهام بعض قوله متوجداً على خلٍ هجر: (وهل سيرقصُ في ثغرِ المُنى وترٌ + فيعزِفُ الصبحُ أضواءً وألحانا)؟! وأنه مهندس تناسق قصيدة تالا الخطيب التي منها: (ربيع العمر عطركَ في خيالي + نشيبُ بلى ويبقى القلبُ طفلا)، ويتمادى البو بِغَيِّه لينتقد فصاحة بشار بن برد حين يقول رغم أنه أعمى: (تشكو فأفهَمُ ما تقولُ بطرفِها + ويردُّ طرفي مثلَ ذاكَ فتفهمُ).
وأنصحك من الآن بضبط أعصابك والسيطرة على يدك لئلا تقترف جناية عليها شهود؛ وذلك حين تصادف بواً بمجلسٍ يتبجَّح بأنه من أشار على د. القصيبي بإنشاء (سابك)، فالبو والغثاثة صنوان.