د. خالد عبدالله الخميس
عادة ما تشهد أيام الاختبارات النهائية المقبلة استنفاراً محموماً في البيوت والمدارس، ويتفاعل مع هذا الحدث الإعلام وخطباء المساجد. وتأتي مجمل الدعوات من الوالدين وعلى منابر المساجد بأن يسهل الله على أبنائنا اختباراتهم وأن يوفقهم ويجعل تلك الاختبارات برداً وسلاماً عليهم. وعادة ما يطلب الوالدان والخطباء من المدرسين الرفق بأبنائنا وتخفيف الأسئلة وتسهيلها وطلب الرحمة والشفقة للطلاب لينجحوا بسلام.
إن مما ينبغي أن ندركه جميعاً أن المقصود من التعليم هو اكساب الطلاب مجموعة من المعارف والخبرات، وأن المقصود من الاختبارات هي لأجل الكشف عما لدى الطلاب من معلومات ومعارف وفحص ما اتقنوه من مهارات وسلوكيات، ويجب أن ندرك أيضاً أن هدف الاختبارات ليس هو تنكيل وعقاب على الطالب المُفرط كما أنها ليس تكريماً وتمجيداً لطالب مجتهد، وإنما وضعت الاختبارات لكي تقيس ما تحقق لدى الطلاب من معلومات ومعارف، فإذا أتقنها انتقل الحال لتزويده بمعلومات تليها، وإن لم يتقنها أعيدت له المعلومات العلمية مرة أخرى ليتقنها بما يعير عنه البعض بالرسوب. وهذا كل ما في الأمر وكل ما تعنيه عبارة ناجح وراسب.
المشكلة أن يُصور للطالب أن الاختبارات وكأنها شبح مخيف وهمّ ثقيل بدلاً من اعتبارها مقياساً لمعلوماته وتقويماً لضعفها. إن الازدواجية تقع عندما يتبنى الوالدان والإعلام وخطباء المساجد الصوت الذي يزيد رهبة الاختبارات ويدعو المدرسين بأن يُسهِّلوا الاختبارات ويرفقوا بالطلاب.
وكان الأجدر بالخطباء الدعاء لكل من تحصل على معارف ومعلومات أن يتجاوز اختباراته، والدعوة لكل من قصر ألا يتجاوز اختباراته، لأن من نجح وهو لا يستحق النجاح سيجني وبالاً على المجتمع عندما يتبوأ مكاناً ليس له بكفؤ، تخيل مثلاً أن طالب طب أو هندسة أو تربية تخرَّج من كليته وهو لا يجيد أبجديات تخصصه! تخيل طبيباً لا يعرف أصول التشخيص والعلاج، ومهندساً لا يعرف أصول التصميم، ومدرساً لا يعرف معنى الأهداف التربوية. إنها كوارث ستحل بالأمة إذا فرطت الأمة في تخريج طلاب لا يستحقون التخرج.
كثير ما نسمع عبارات تصدر من أولياء الأمور والطلاب «يا أستاذ: سهل علينا الاختبار، أنت كريم وحنا نستاهل، لا تعقد الأمور، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب».. وهلمجراً من تلك الكلمات التي كلها استعطاف واستنجاد أو كأننا في سوق للبيع والشراء فيه خصم وزيادة وتنزيلات وتخفيضات.
ولعل بعض خطباء المساجد يركزون على تحريم ومكافحة الغش ولا يتم التركيز على استنجاد المعلمين للتساهل، ولعلهم أيضاً أن يحذروا الطلاب من الغش لكونه سيهدم العملية التعليمية ويهدم المجتمع ويذكروهم أن الغش سيلغي كفاءة الطبيب والطيار والمهندس والمدرس.
نقطة أخيرة وهي اقتراح لوزارة التعليم والجامعات بتشكيل حملات أو هيئات معنية بمكافحة الغش التعليمي على الفكرة نفسها التي تطرحها جمعيات مكافحة الغش التجاري أو مكافحة المخدرات أو مكافحة التدخين، وأن تصاحب تلك الحملات شعارات بعناوين لافتة مثل «جامعات بدون غش»، «تعليم بدون غش».