مسفر آل فطيح
كانت ليبيا تمر بحالة اقتصادية جيدة قبل حدوث ما يُسمى بالربيع العربي رغم بعض السياسات الخاطئة من نظام معمر القذافي. دولة ليبيا لديها مساحة شاسعة وثروات هائلة مقارنة بتعداد السكان الذي لم يتجاوز 6 ملايين نسمة، الربيع العربي أفقد ليبيا الأمن والأمان والمؤسسات الحكومية والعسكرية بشكل كامل..
لقد كبح القذاقي جماح المتطرفين في ليبيا وفي الوقت نفسه كانت علاقتة سيئة جدًا مع القوى العظمى نتيجة سياسات طائشة وغير مفهومة مما جعل ليبيا تحت العقوبات، وبعد ذلك تدخلت السعودية عندما كان الملك عبدالله - رحمه الله - وليًا للعهد وبجهود وزيارات من الأمير بندر بن سلطان لرفع العقوبات ومساعدة الشعب الليبي في مواجهة الضغوط الاقتصادية، على الرغم من أن العلاقات كانت متوترة مع نظام القذافي آنذاك، وهنا يظهر المعدن العربي الأصيل في تجاوز الخلافات والتركيز على النخوة العربية والعون، وهنا يتضح جليًا الفرق بين المؤامرات وبين المساعدة ورفع الضيم..
سقط نظام القذافي وأصبحت البلاد تحت حكم الميليشيات المتطرفة التي خرجت من السجون، تم تهجير الآلاف قسريًا وقتلهم واحتجازهم في السجون..
انتشر القتل والتدمير ودخلت بعض الميليشيات الإفريقية إلى البلاد وأصبحت بنادق إيجار تستخدمها القبائل المتناحرة ضد بعضها البعض، وهذا تطور خطير جدًا، حتى وصل الحال سيطرة هذه الميليشيات الإفريقية على مدينة سبها. الاتجار بالبشر انتشر بشكل متزايد والمخدرات والهجرة غير الشرعية للاتحاد الأوروبي مما جعلها من أكبر التحديات التي تواجه الدول الأوروبية..
الاقتتال وصل إلى أكبر حد بدواعي عنصرية وفكرية في بلاد يوجد بها مزيج مختلف من العرب والبربر والطوارق والأمازيغ وما يُسمى بقبائل التبو التي ترجع أصولها لإفريقيا، أصبح الوضع في ليبيا معقدًا جدًا، ولكن انتشار التطرف أصبح يتصدر الوضع في الساحة الليبية..
بعد إحكام المتطرفين السيطرة على مدينة بنغازي أطلق الجنرال خليفة حفتر عملية الكرامة عام 2014 وخاض مواجهات عنيفة بمساعدة القبائل إضافة إلى الجيش، وأصبحت المعارك بين كر وفر حتى تم طردهم نهائيًا من بنغازي ومن مدينة إلى أخرى حتى تمت السيطرة على الجزء الشرقي من البلاد..
ما جرى في العراق من أخطاء كارثية تم تطبيقها في ليبيا من قتل وسجن وطرد الآلاف من الموظفين والعسكريين من الحكام الجدد مما جعل البعض من المطرودين تتقاطع مصالحهم مع المنظمات المتطرفة، تركيا ما زالت تلعب بالنار وتريد السيطرة على قرار حكومة الوفاق برئاسة السراج الذي أصبح أسيرًا تحت رحمة الميليشيات المتطرفة..
أصبح الجيش الليبي في قلب طرابلس بعد مواجهات عنيفة مع حكومة الوفاق المدعومة من تركيا وقطر، تركيا نقلت أسلحة نوعية وطائرات مسيرة وعتاد عسكري، وأصبحت تسابق الزمن لإرسال قوات عسكرية في منع سقوط العاصمة بيد الجيش الليبي..
تركيا تحاول بشتى الوسائل نشر التطرف وإعادة الأحلام العثمانية البائدة في سوريا وليبيا، أغلب قادة الميليشيات في طرابلس ومصراتة لديهم أفكار متطرفة وعقوبات دولية بتهم الإرهاب..
الجيش الليبي بقيادة حفتر يعتمد على قاعدة شعبية قوية متمثلة في القبائل والمجتمع المدني الذي عانى من بطش الميليشيات والمتطرفين، في كل بقعة تظهر نيات أردوغان الزائفة اتجاه العرب ويحاول بشتى الوسائل زرع التفكك والقتل والتدمير ويروج للمتطرفين ويدعم الإخوان المسلمين. وفي اعتقاده بأن ما يُسمى بالربيع العربي أحد الحلول لتوسيع الهيمنة العثمانية..
عانت الشعوب العربية من القتل والتدمير خصوصاً في ليبيا وأصبح الشعب الليبي يقف مع الجيش الليبي الذي سيحقق الأمن والأمان والنظام والقانون ويصل بالجميع إلى الدولة المدنية التي لا تخضع لأي وصاية دولية..
على الرغم من الدعم السخي والمتواصل من تركيا وقطر للميليشيات المتطرفة لكن قوة الشعب والجيش الليبي وصلت إلى قلب طرابلس وستسقط المؤامرة وستعود طرابلس ومصراتة إلى النظام والقانون..
لا شك أن اعتراف أميركا بإبادة الأتراك للأرمن والتحقيق في الموارد المالية الضخمة لأردوغان نتيجة التواطؤ مع داعش لبيع النفط وتفعيل العقوبات الاقتصادية سيكون له أثر فعال في إيقاف السياسة المتهورة لتركيا في سوريا وليبيا، نأمل أن نرى دولة ليبيا يسودها الأمن والقانون والسلام بعيدًا عن التدخلات الأجنبية..