مها محمد الشريف
يعتبر أوليفر ساكس أن «الوعي البشري سلاسل من الوحدات المكانية الصغرى الثابتة التي تشبه الصور المكونة للشريط السينمائي؛ إذ تترابط فيما بينها، ويتم إدراكها حسيًّا من طرف كل واحد منا باعتبارها وحدات متصلة». فكيف يمكن أن يتجاوز الفرد تلك الإدراكات إلى مستوى ما تقدمه له معطيات الوعي من أشخاص لا يعرفهم إلا من خلال مواقع التواصل الاجتماعي؟
بطريقة ما ثمة مفارقة هنا، عندما قالوا تويتر منفذ إبداعي؛ إذ يعد وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي منفذًا إبداعيًّا أو متنفسًا للتعبير الإبداعي عما يدور في بال الشخص؛ إذ يستطيع الشخص من خلاله مشاركة أعماله المتنوعة؛ فمنذ أن انطلقت مواقع التواصل في العالم أصبحت ظاهرة الوصول السريع للشهرة والمصالح ثقافة سائدة بالمجتمعات؛ إذ أصبح قلق المكانة قدرة استثنائية، تتدفق مع كل حوارات تثقيفية وتكوينية باستحضار أهم مشكلات الحياة التي تنتشر بوتيرة يومية كرسائل ترسخ مفاهيم المشهورين على منصات تويتر ذوي الألقاب المختلفة البعيدة عن الإبداع وأفكار المبدعين.
غير أن أهداف هؤلاء هي التغطية بكل تبجيل للحفلات ومناسبات الميلاد، وحالات كثيرة للمجتمع الراقي، أو نقد مجحف للإعلام، والرياضة، والسياسة، والاقتصاد، والتنمية، ثم تأتي الصحف معززة لقدراتهم الضعيفة وقيمتهم الذاتية، ومنحهم الحظوة والمكانة. قد تكون مناضلاً، تسعى إلى تغيير الواقع أو تحريكه تجاهك لنيل درجة أو منصب؛ وذلك نظرًا لعقدة الشعور بالتعالي الحضاري المتفشية بين الناس الذين يدعي بعضهم الثقافة والموضوعية، وهو ينتقص من كل شيء لتشويه وعي المجتمع، وتسخير الأنظار إليه باعتباره المنصب أو اللقب أو الرصيد، ويفعل ذلك باستلهام التميز.. فلا يمكن تحسين الحياة أيها النبيل إذا كنت تنكرها.
إن الإنسان يسلك على هذا النحو مسارًا معهودًا لرحلة تكتنفها الشكوك؛ كونه يتعرف على أشياء العالم الخارجي من أجل تحويلها وفقًا لحقيقته الواقعية.. فمنهم من يستعرض حياته عودة إلى صباه ونشأته ومسيرته المهنية، ومنهم من يوجه النقد للوزارات والمؤسسات لمجرد لفت النظر والوصول للأهداف، ومنهم من يقول حساباتي اختُرقت وتوقفت وتعطلت.. حين تعرف نفسك تستطيع أن تقضي على الحرب المستعرة داخل ذاتك.
«اعرف نفسك بنفسك»، عبارة أطلقها سقراط باقية على مدى التاريخ. وهذا الاعتراف هو جوهر الوعي الذي ينتج حقيقة واحدة، يعيها الفرد والمجتمع في كل جانب من جوانب الحياة، بشرط أن تستخدم هذه الوسائل استخدامًا عقلانيًّا؛ فالمناصب تتطلب التأهيل العلمي والخبرة والوعي والإدراك والثقافة العالية، وليس بحرق المراحل وتقصير المسافات، والركض خلف الشهرة دون أساس يمنحه حق المنافسة على الفرص، حتى ظل هذا النمط ساريًا بمعنى ومسمى طموح، وهو مبني فقط على قشور الثقافة وسطحية الفكر.