ضبط حركة السير في الطرق والشوارع مهم للغاية، ليس للسلامة من الحوادث، وهو لا شك مقدم لأهميته، ولكن هناك أيضًا آثار غاية في الأهمية، وستكون عظيمة الفائدة، ألا وهي صقل أخلاق وسلوك السير والحركة التي ستصل بوعي الفرد لما هو أبعد في التعامل والسلوك واحترام حق الآخرين.
بداية، فإن الضبط لا يعني فقط ضبط المخالفات بل يتسع ليشمل الاهتمام بهندسة الطريق أو الشارع وتخطيطه وإضاءته وتأمين سلامته من العبث والتعدي، وإن كانت معظم هذه الأمور من اختصاص البلدية الفرعية، إلا أن لعين جهاز المرور متابعة وملاحظة ترفع للبلدية الفرعية ملاحظاته، وهو الأمر القائم فعلاً لكنه يحتاج إلى مزيد من التنشيط والتفعيل في بناء العلاقة الخدمية البينية، وإن كان هذا يتطلب نشر فروع لجهاز السير في الأحياء أولاً لتخفيف الضغط عن المركز، وثانيًا لخلق المشاركة الفعالة في الاهتمام والمراقبة والمتابعة في التنفيذ وقراءة النتائج، ثم إن هذا يخلق تنافسًا حضاريًا بين أجهزة الأحياء واختراع الحلول المبدعة في التغلب على قصور الماضي في التخطيط والهندسة وأمور كثيرة أخرى.
شوارع الأحياء الداخلية وخصوصًا الأحياء القديمة في الغالب هي بعرض لا يزيد عن عشرة أمتار، ومع هيكلية البناء التقليدي الذي يغفل ضرورة وجود موقف للمركبة، وهو بالمناسبة أمر ما زال قائمًا ولم تلتفت وزارة البلديات لهذه الضرورة حتى اليوم، أقول إن شارع بعرض عشرة أمتار مع وجود مركبتين بعرض خمسة أمتار تقريبًا لهما ما يأخذ من مساحة الشارع أكثر من نصفه فيبقى ثلاثة إلى أربعة أمتار، ومع هذا فإن السير في كلا الاتجاهين ما يحدث إرباكًا يؤثر على مزاج ونفسية العابر للطريق، ويمكن معالجته اليوم بفرض المسار في اتجاه واحد لشوارع الحي لتصبح انسيابية، وهذا يؤثر إيجابياً على نفسية ومزاج المارة سواء بمركبة أو غيره، أي أنه بقليل من التدبير تتحول إلى انسياب هادئ، وليس هذا وحسب بل إنه يخلق في وعي الفرد مستخدم الطريق قيمة النظام وأهمية احترامه الذي ينعكس فيما بعد على السلوك العام في حركة السير في الطرق والمدينة بشكل عام.
وفي العادة يستخدم العائق الصغير لإجبار سالكي الطريق بتهدئة السرعة وأحياناً الوقوف (مطبات اصطناعية)، والحقيقة أن وجود هذه العوائق بهذا الشكل وأحياناً بشكل مبالغ فيه مضر بالمركبة ومربك للسائق، وقد يتسبب في وقوع حوادث، أي إنه قد يأتي بفعل معاكس لما هو متوخى منه، بينما يمكن الاستعاضة عن ذلك باستبدال الأسفلت في التقاطعات بفرش من الحصى داخل إلى عمق كل شارع بطول خمسة أمتار ليكون تنبيهًا وملزمًا بتخفيض السرعة، وحين يكون ذلك منتشرًا بشكل عام في كل تقاطع فإن السائق لن يحتاج إلى تنبيه، والأمر قد أصبح مألوفًا ومفهومًا في التقاطعات، أما وجود هذه (المطبات الاصطناعية) في مداخل الهجر والقرى والمدن على الطرق البرية فالحقيقة إنه اعتداء على الطريق ومن يرتاده، ويجب أن يُمنع فورًا، ولن تعجز العقول عن توفير البديل الأنسب والأصح، ثم أن تفرع السكك والشوارع على الطرق ذات المسارين بالشكل الحالي في حقيقة الأمر خاطئ وخطر، والأمر يحتاج إلى حائط في فوهة السكة والشارع الداخل إلى طريق ذي مسارين ليكون المدخل والمخرج منفصلاً عن مسار الطريق ومنسابًا مع حركته.
أدرك أني لم آتِ بجديد والمعنيون بالأمر في جهاز السير والبلديات مدركون لذلك، لكني أركز على أهمية الإسراع في تحويل شوارعنا وطرقنا إلى أمن وسلامة أكثر، ليس للحد من كثرة الحوادث فقط ولكن صناعة الوعي وخلق حب النظام واحترامه في المجتمع من خلال إعادة هندسة الطرق والشوارع والسكك في مداخلها وتقاطعاتها بشكل أنيق وجميل له أثر فعَّال وقوي وعميق في وجدان الفرد يترسب شيئًا فشيئًا حتى تصبح السياقة في بلادنا ممتعة وتغني عن التدافع والسرعة والاستهتار بالآخرين انتقاماً من فوضوية التخطيط وصلابة التنبيه القسري الذي تأنفه النفوس وتمتعض منه.
قبل أن أختم تذكروا أننا شعب ذو خلق ومحبة لبعضنا بعضًا، وترون ذلك خارج المركبة في طابور أو أمام مصعد، لكننا نختنق ونغتاظ ونحن في الطرق والشوارع ليس من بعضنا ولكن سوء التخطيط وفوضوية المداخل وزجر الحواجز وطول الاختناقات المرورية لأسباب تافهة في كثير من الأحيان تجعلنا في صراع مرير مع بيئتنا تنظيمًا وتخطيطًا وهو ما جعل حركة السير في بلادنا مخاطرة.
** **
- الرياض