الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
ديننا الحنيف يرشدنا إلى وجوب التحلي بخلق الحياء؛ لأنه من مكارم الأخلاق، والحياء من الإيمان، وهو مصدر الخير كما أخبرنا رسولنا المصطفى عليه الصلاة والسلام: فإذا تحلى العبد بالحياء جاءته كل الحلى تباعًا.
وحياء المسلم صفة حميدة لا ينبغي أن تفارقه في كل سلوكياته العامة والخاصة، والتربية الصحيحة تغرس قيمة الحياء في نفوس الأبناء منذ نعومة أظفارهم، ولكن في زمن التقنية والتواصل السريع لم تعد التربية في البيت تولي قيمة الحياء ما تستحق من اهتمام، لأن هناك عوامل أخرى تشترك في التربية والتوجيه بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
«الجزيرة» ناقشت مع المتخصصين في العلوم الشرعية الآلية في كيفية إعادة الصفة الجميلة إلى مكانها الصحيح، وغرسها في نفوس الناشئة منذ وقت مبكر.
تاج الحلل
يقول فضيلة الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن البعيجان أمام وخطيب المسجد النبوي: تاج حلل الأخلاق وأجمل المحاسن على الإطلاق خلق الحياء بالاتفاق، والحياء رأس المكارم ومنبع الأخلاق ومكمن الفضيلة من اتصف به حسن إسلامه وعلت أخلاقه وهجر المعصية خجلاً من ربه أنه خلق رفيع، والحياء يدفع الوقاحة ويصون العرض ويغرس العفة في النفس هو معدن نفيس لا تتحلى به إلا النفوس المحمودة وهو حلية الأنبياء عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ مِمّا أَدْرَكَ النّاسُ مِنْ كَلَامِ النّبُوّةِ الأولى: إذا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت)، الحياء شعار الإسلام (إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خلقًا وَخُلُقُ الإسلام الْحَيَاءُ)، والرسول صلى الله عليه وسلم جمع خصال الأولين والآخرين وتحلى بأبهى حلل الأخلاق حتى قال الله فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها وإذا رأى شيئًا يكرهه عرف في وجهه المفعم بالحياء.
وأشار د. البعيجان إلى أن الحياء صور ومراتب أعلاها الحياء من الله حيث تستحي أن يراك حيث نهاك وقد خلقك فسواك وتستحي أن تستعمل نعمه عليك في معصيته، وأننا نعيش مرحلة أخلاق حرجة فتن آخر الزمان قد طغت وكثرت الشبهات والشهوات قد فشت وانتشرت ما كان بالأمس معروفًا صار اليوم عن البعض منكرًا وما كان منكرًا صار معروفًا مألوفًا تغلغل الغزو الأخلاقي في داخل البيوت عبر الأجهزة والوسائل التقنية الحديثة، وفي هذا الجو ونحن مستهدفون يجب تربية الناشئة وتحصينهم بعقيدة الإسلام وخلق الحياء من الله فهما حصن حصين وحارس أمين للتربية وتزكية النفوس ومراقبة الله.
وشدد فضيلته: إن الحياء وإن كان مطلوبًا في حق الرجال إلا أنه في حق النساء أوجب وفي جانبها آكد، أن المرأة تتعبد الله بأخلاقها ترجو الثواب وتخشى العقاب وإن الحياء من أخلاقها الدينية والفطرية به تتستر في خدرها به تأكل وتشرب وتلبس به تتحرك وتخرج وتمشي، وحياء المرأة المسلمة ورأسمالها فيه عزها وبه تحفظ كرامتها، والحياء جلباب الحرة الأمين وجمالها الحسين ودليل عفتها المتين وحصنها الحصين، وعلى المسلمات: الحشمة وعدم الاختلاط من بواعث الحياء الذي هو شعار المسلمة ودليل على حسن التربية، وهذه أمك وقدوتك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تضرب أروع مثال على خلق الحياء فكانت تستحي فتحتجب من الحي والميت تقول كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر واضعة ثوبي وأقول إنما هو زوجي وأبي فلما دفن عمر والله ما دخلت إلا وثيابي مشدودة على حياء من عمر، وكانت إذا حاذت الركبان وهي محرمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سدلت جلبابها على وجهها وكانت تطوف بالبيت كما في الصحيح حجرة من الرجال لا تخالطهم ولما قالت مولاة لها: قد طفت بالبيت سبعًا واستسلمت الركن مرتين أو ثلاثًا قالت: لا آجرك الله تدافعين الرجال إلا كبرت ومررت، وحجاب المرأة وحشمتها من دينها ومن أخلاقها فإذا انتكست فطرتها وتخلت عن دينها فألقت الإزار ورمت الخمار وتبرجت في مفاتنها خسرت دينها وأضاعت أمانتها. (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم إلا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
أعظم الحياء
ويشير الدكتور سعيد بن مرعي السرحاني استاذ الفقه بجامعة الملك خالد بأبها أن الحياء خلق عظيم، خيره لأهله عميم؛ فهو يبعث على فعل المليح، وترك القبيح، اختزلته بعض الأفهام؛ فجعلته في الخجل، والعجز عن الكلام، في حين أن الشرع جعله شاملاً لكل أنواع الأعمال والتصرفات؛ بدءًا بالحياء الذي يكون عبادة بين العبد وربه، وانتهاء بتصرفاته في نفسه، أو مع من حوله، والحياء يعصم صاحبه عن فعل المحرمات، ويبعثه على القيام بالواجبات: هو أعظم الحياء؛ وهو ما أشار إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله استحيوا من الله حق الحياء ثم فسره بقوله إن تحفظ الرأس والبطن وتذكر الموت والبلى، كما أن الحياء خلق الأنبياء والأصفياء؛ فلقد وُصِف صلى الله عليه وسلم بأنه أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان يثني صلى الله عليه وسلم على عثمان بقوله إلا استحي من رجل تستحي منه الملائكة، ولا شك أن فاعل المنكر بلا حياء متوعد بالخروج من المعافاة؛ التي كتبها الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، واستثنى منها المجاهر الذي لا يردعه خوف من الله ولا حياء منه، ولا من خلقه... كل أمتي معافى.
ويشدد الدكتور سعيد السرحاني على أن تعزيز هذه القيمة العظيمة في زماننا هذا من أوجب الواجبات وأعظم المهمات، وإن لالتزامها ثمارًا عظيمة وآثارًا إيجابية على الفرد والمجتمع، وإن ضعفها وانتشار أضدادها مؤشر خطير نرى ثمراته المرة على فئام من الناس لا سيما جيل الشباب، وفي وسائل التواصل الاجتماعي خاصة، كما أن مظاهر منافاة الحياء كثيرة خطيرة تراها تارة في اللباس وتارة في الكلام وتارة في الأفعال والتصرفات؛ فأصبحنا نرى عند بعض أبنائنا وبناتنا ما كان يُستحى من لبسه، وتهاون المجتمع في ذلك حتى اشتهرت تلك المظاهر فلم تعد تُستنكر ولا تستقبح، كما أن ما يحصل من رفع الصوت في الحديث في الأسواق والمطاعم ونحوه بلا حاجة مظهر مناف للحياء؛ حتى أصبح بعض الشباب يفاخرون بذلك ويتنافسون في رفع الصوت في تلك الأماكن والمجالس، وأصبحنا نقرأ ونشاهد من الرسائل في وسائل التواصل ما يستحي منه كل ذي لب سليم، وقد أذكى هذا الأمر وزاد اشتعاله إمكان تخفي بعض المرسلين أو الناشرين لها بأسماء مستعارة حتى أصبحت «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» واقعًا تطبيقيًا لتلك الوسائل التي غاب عن أصحابها الحياء أو ضعف، والله المستعان، وفي المظهر العام والذوق أصبحنا نرى في قصات الشعر أو ما يحصل به التجميل ما لا يرتضى ويأنف منه من كان عنده أدنى ذرة من حياء.
تداخل التقنيات
وتؤكد الدكتورة هدى بنت دليجان الدليجان استاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل بالأحساء أن الحياء زينة العقول وهو حلية الفضلاء وتاج النبلاء وجلباب الأتقياء أهل السكينة والوقار، وكان السلف قديمًا إذا رأوا الطفل حييًّا رأوا فيه النجابة والذكاء لقدرته على التمييز بين الخير والشر، وقد اتفقت الأديان والمذاهب وأصول التربية بجميع اتجاهاتها على مدح الحياء كصفة وسلوك للتعامل بين الإنسان وأخيه سواء كان يربطهما صلة الأرحام أو سند العقود كعمل أو وظيفة أو تجارة أو طلب علم كطالب وأستاذه، وفي الأجيال خير كثير لولا تداخل بعض التقنيات الحديثة مع وسائل التواصل الاجتماعي في العالم الافتراضي فانتشرت الأسماء الوهمية والأفكار الزائفة تختبيء في شبكات معقدة مما ينذر بخطر كبير تبثه تلك النفوس المريضة من سمومها وتنشر أكاذيبها وتلفق أخبارها وتفبرك صورها وأحداثها دون مسكة من عقل أو إثارة من حياء بدعاوى الحرية الموهومة والاستقلالية المريضة.
وترى الدليجان أن بناء سياج التحصين الذاتي يبدأ بالأسرة التي ينشأ الطفل بين ذراعيها وينمو عقله بين جدرانه وسقيه بماء الوجوه وقطرات الحياء وندى المشاعر الفياضة لتقبل النفس على الصدق والكرم والجود والعطاء والحياء من الله رب الأرباب ثم لكل من أحسن إلينا من والد أم عالم أم متعلم لنزرع بذور الخير والجمال في أشجار الحياة وأزهارها؛ ثم الحرص على الممارسة في التربية والتعليم والتوجيه والإرشاد، ثم اختيار الأصدقاء وانتقائهم كالبحث عن الدر في الأصداف سواء كانوا أشخاصًا أم أرقامًا واعلامًا في عالم الإنترنت العجيب، فلغة العصر تحتم علينا الطموح والمنافسة ولن يكون لنا قدم راسخة إلا إذا كانت القيم الفاضلة وأولها الحياء تلك الشعبة من شعب الإيمان تردعه عن كل خبيث من نشر صورة قبيحة أو توجيه كلمة نابية أو مرافقة عدو متربص أو تغريدات أفاك متخرص.
فالحياء يبدأ في أغوار النفس الطيبة ثم يزدان في مكنونات العقل الكامل؛ ثم تظهر آثاره على صفحات الوجوه الجميلة والثغور الباسمة والعيون الخجولة، فما أجمل تلك الأرواح التي يجللها جلباب الحياء، وكما قال صلى الله عليه وسلم «الحياءُ لا يأتي إلا بخيرٍ فقال بُشَيْرُ بنُ كعبٍ: مَكتوبٌ في الحكمةِ: إن من الحياءِ وَقارًا، أن من الحياءِ سَكينة» أخرجه البخاري ومسلم.
ونعما بالحياء فهم أهل الوقار والسكينة، ومرحى بهم عددًا وزينة في المجتمع، وروحًا كريمة ورضًا مرضيًا وعملاً وثابًا في خدمة الدين ثمَّ المليك والوطن.
خلق الإسلام
وتبين الدكتورة سارة بنت متلع القحطاني عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت (إن لكل دين خلق؛ وخلق الإسلام الحياء). هكذا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولا غرابة في أن يكون خلق الإسلام الحياء إذا عرف أنه (انقباض النفس عن القبيح وتركه حذرًا من اللوم فيه)، وأنه (خلق يبعث على فعل الحسن وترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق). قال أبو حاتم: (إن المرء إذا اشتد حياؤه، صان عرضه ودفن مساوئه ونشر محاسنه). قال ابن حبان: وأصل الجهل، وبذر الشر). (فالواجب على العاقل لزوم الحياء؛ لأنه أصل العقل، وبذر الخير، وتركه وعلى قدر حياة القلب يكون قوة خلق الحياء في المرء، ولهذا قرن الإيمان والحياء في أكثر من موضع في النصوص الشرعية منها:
- ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أو بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَة فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إلا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمان»، وما روي عَنْ عبدالله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قال رسول الله: «الْحَيَاءُ وَالْإيمان قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أحدهما رُفِعَ الْآخَرُ»، وما روي عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحيَاءُ وَالعِيُّ شُعْبَتان مِنَ الإيمان، وَالبَذَاءُ والبَيَان شُعْبَتان مِنَ النِّفاق»، والمقصود بالعي في الحديث: سكون اللسان تحرزًا عن الوقوع في البهتان.
والحياء- كما يقول ابن رجب - نوعان: أحدهما: ما كان خلقًا وجِبِلَّة غيرَ مكتسب - غريزي -، وهو من أجل الأخلاق التي يَمْنَحُها الله العبدَ ويَجبِلُه عليها، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (الحياء لا يأتي إلا بخير) وعنه أيضًا صلى الله عليه وسلم: «ما كان الحياء في شيء إلا زانه ولا كان الفحش في شيء إلا شانه»، فإنه يكفُّ عن ارتكاب القبائح، ودناءةِ الأخلاق، ويحثُّ على استعمال مكارم الأخلاق ومعاليها، فهو مِنْ خصال الإيمان بهذا الاعتبار، وقد روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: من استحيى اختفى، ومن اختفي اتقى، ومن اتقى وُقي. وقال الجَرَّاح بنُ عبدالله الحكمي - وكان فارس أهل الشام -: تركتُ الذنوب حياءً أربعين سنة، ثم أدركني الورع. وعن بعضهم قال: رأيتُ المعاصي نذالة، فتركتها مُروءة، فاستحالت دِيانة.
والثاني: ما كان مكتسبًا من معرفة اللهِ، ومعرفة عظمته وقربه من عباده، واطلاعه عليهم، وعلمِه بخائنة الأعين وما تُخفي الصدور، فهذا من أعلى خصالِ، الإيمان، بل هو مِنْ أعلى درجات الإحسّان». والمكتسب هو الذي جعله الشارع من الإيمان، وهو المكلف به دون الغريزي، وقد ينطبع الشخص بالمكتسب حتى يصير كالغريزي.
- وللحياء صور ومراتب من أهمها:
-1 الحياء من الله: وذلك بأن ألا يراك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك. فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استحيوا من الله حق الحياء، قال: قلنا يا رسول الله، أنا نستحي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء، أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء)).
2 - الحياء من الملائكة: لقد وكل الله لكل إنسان ملكين، أحدهما يكتب حسناته، والآخر سيئاته، قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}.
3 - الحياء من الناس: وذلك يكون بحِفْظ ماء الوجْه لهم، ولا يتمُّ ذلك إلا بكفِّ الأذى عنهم، وترْك ما يُغضِبهم أو يزعجهم.
4 - الحياء من النفس: ويكون الحياء بالعفة، وصيانة الخلوات، وحسن السريرة، وهو حياء النفوس العزيزة، فيراقب الله تعالى في نفسه، فلا يعصه في الخلوات، ويجاهد نفسه على فعل الطاعات، وترك المنكرات.
وإذا كان الحياء بهذه الأهمية وبهذه الصور، والكلام للدكتورة سارة فإن لتعزيز تلك الصفة في النفس أو اكتسابها والتحلي بها عددًا من السبل أهمها:
1- تقوية الإيمان بالله تعالى، فكلما قوي الإيمان ازداد الحياء. عَنْ عبدالله بنِ عُمَر أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأنصار وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَعْهُ فإن الْحَيَاءَ مِنْ الْإيمان).
2- استشعار نِعَم الله تعالى الجليلة على النفس، فمن شأن التفكر في تلك النعَم أن يولِّد حياء من الله عظيمًا من فعل الرذائل والقبائح وما نهى الله عنه.
3- مراقبة الله في السر والعلن، والتفكر في أسماء الله التي من معانيها مراقبة العبد ورؤيته له واطلاعه على أحواله، كأسمائه تعالى: الشهيد، والرقيب، والعليم، والبصير.
4- استشعار مراقبة أحد من النَّاس ممن يتوسم فيهم الصلاح والتقوى عند فعل أي شيء يخدش الحياء أو يناقضه. عَنْ سَعِيدِ بن يَزِيدَ الأَزْدِيِّ، أنه قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قَالَ: (أُوصِيكَ أن تَسْتَحِيَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَسْتَحِي مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ).
5- اتخاذ القدوة الصالحة فيمن حقق خلق الحياء، من خلال مطالعة سير الصالحين من القدوات الكبار وقراءة سير أهل الفضل والحلم، والنظر في تراجمهم عامة مما يُحرك العزيمة على اكتساب المعالي، ومكارم الأخلاق؛ ذلك أن حياتهم توحي إلى القارئ بالاقتداء بهم، والسير على منوالهم.
6- مداومة القراءة في فضائل الحياء، وما يُرغب فيه، وقراءة كتب الشمائل والأخلاق: فإنها تُنَبِّه الإنسان على مكارم الأخلاق، وتذكِّره بفضلها، وتعينه على اكتسابها.
7- مخالطة الصالحين، والتخلق بأخلاقهم: قال مجاهد: (إنَّ المسلم لو لم يُصبْ من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه)، والمرء فطرة مولعٌ بمحاكاة من حوله، شديدُ التأثر بمن يصاحبه. فمجالس الأخيار تقوي الحياء المكتسب وتنميه، أما مجالسة الأرذال، فإنها تحول بين العبد وبين اكتساب الحياء.
8- المحاسبة: وذلك بنقد النفس إذا ارتكبت ما يخلُّ بالحياء، وحملها على ألا تعود إليه مرة أخرى، مع أخذها بمبدأ الثواب، فإذا أحسنت أراحها، وأرسلها على سجيتها بعض الوقت في المباح. وإذا أساءت وقصَّرتْ أخذها بالحزم والجد، وحرمها من بعض ما تريد؛ فإن ذلك يؤدي إلى تعديل سلوك المرء نحو الأفضل.
9- تذكر القبر واليوم الآخر والحشر والصراط، فإن المسلم إذا علم أن حاله سيصير إلى دنيا أخرى يحاسبه ربه تعالى على ما فعل في دنياه: منعه ذلك من اقتراف السيئات، ودفعه إلى تحقيق خلق الحياء من ربِّه تعالى.
10- مجاهدة النفس وإلزامها بترك كل ما يخالف الحياء، ومكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب: من الأقوال والأفعال، ومعاندة الشيطان الذي يجر النفس إلى مثل هذه البذاءات، ويزينها له.
11- الحذر من اليأس من إصلاح النفس: فهناك من إذا ابتلى بشيءٍ مما يُسيء الأخلاق، وحاول التخلص منه فلم يفلح، أيس من إصلاح نفسه، وترك المجاهدة، وهذا الأمر لا يحسُن بالمؤمن القوي، بل ينبغي عليه أن يقوي إرادته، وأن يسعى لتكميل نفسه، وأن يجُدَّ في تلافي عيوبه.
12- الدعاء: وهو سلاح المؤمن، فيلجأ إلى ربه، ليرزقه الحياء، ويصرف عنه سيء الأخلاق، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعاء الاستفتاح: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي لأحسن الأَخْلاقِ، فإنه لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إلا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلا أَنْتَ»(رواه مسلم). وكان يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ، وَالْأعمال، وَالْأَهْوَاءِ»(رواه ولاريب أن الحياء من الأخلاق الحسنة. الترمذي، وصححه الألباني).
13- الإسلام والتفكر في الآثار المترتبة عليها: ومن ذلك الحياء خاصة، والأخلاق الحسنة بعامة.
14- الندامة، النظر في عواقب التخلي عن الحياء: وذلك بتأمل ما يجلبه التخلي عنه من الأسف الدائم، والهم الملازم، والحسرة والبغضة في قلوب الخلق؛ فذلك يدعو المرء إلى أن يقصر عن مساوئ الأخلاق، ويبعثه على التحلي به، والتلبس بمحاسن أن للإنسان آمرين وزاجرين، أمر وزاجر من جهة الحياء، فإذا أطاعه امتنع من فعل كلّ ما يشتهي.
15- نماءُ العقل وسمو الأهداف والأفكار: فكلما سما المرء بعقله، جره ذلك إلى حُسْن الخلق، والتحلي بمكارم الأخلاق، وقال الغزالي رحمه الله عن فضيحة الاجتراء: فأقل آثار العقل مقدمتها الحياء.