عبد الله الصالح الرشيد
وما المال والأهلون إلا ودائع
ولا بد يوماً أن ترد الودائع
فلك يدور وأيام تمر وشهور والإنسان في هذا الكون الفسيح يبحر في عالم الأماني ولا يعلم متى تحط مراكبه على مرسى المنايا.. وهذا طبيعة بني البشر؛ آمال عراض وطموحات كبيرة لا تحد، بل تزداد وتتضخم مع أيام العمر، لكن سُنة الله في خلقه أن الآمال تحفز إلى الأعمال.. ومن عِبر الحياة ونواميسها أن يوفق الإنسان اللبيب والحصيف بين سعيه في الحياة له ولمن بعده، وبين أن يسعى لغده في عمل صالح مبرور وغرس ذكرى حسنة، وأن يكون ختام أيامه نهاية سعيدة. ولله في خلقه شؤون، وله الأمر من قبل ومن بعد وإليه المصير..
خطرت في بالي هذه العبارات وهذه الخواطر الجياشة عندما تلقيت خبر رحيل رجل فاضل كان في حياته درة المجالس ورجل المواقف وقدوة المربين المخلصين، أعني به فقيد الرس الكبير الشيخ محمد العلي المحمد العنيزان الذي غادر دنيانا الفانية إلى دار البقاء والخلود بجوار رب كريم رحيم في جنات النعيم مع عباده الصالحين..
لقد ودع فقيدنا الغالي الحياة بعد كفاح طويل ينبض بالعطاء والوفاء في خدمة الوطن في مجال رفيع ومشرف هو ميدان التربية والتعليم والتوجيه، تخرجت على يديه وبجهوده المثمرة أجيال وأجيال تدين له بالوفاء والعرفان ومنها من تسنم بعد تخرجه واستكمال دراساته العليا الكثير من المناصب الرفيعة بمختلف المجالات والتخصصات، وهنا أستطيع أن أقول بكل صراحة وصدق وأمانة وبدون مبالغة، أقول كلمة للحق وللتاريخ إن هذا الرجل الفاضل والمواطن الصالح يعتبر في سيرته ومسيرته مدرسة في كل شيء، في الأخلاق في أدب وحسن التعامل وسعة الأفق، في التواضع الجم ونظافة القلب واللسان، في الوطنية الصادقة والإحساس بالمسؤولية، وحدِّث عن صفات النبل والكرم والشهامة وحسن الجوار ولا حرج، إنه الرجل الذي خدم وطنه بكل إخلاص وتضحية بعزيمة لا تعرف الكلل والملل.. وفي أخريات أيام عمره عانى -رحمه الله- من أعراض الشيخوخة الشيء الكثير، لكنه ظل صابراً محتسباً يناجي الخالق العظيم، ورغم معاناته كان يستقبل -أحياناً- محبيه وعارفي فضله في فسحة من وقته ويسعد باستقبالهم، ويتبادل معهم ذكريات السنين الخوالي أيام الزمن الجميل.
بقي في الختام أن أقول إن هذه السطور المتواضعة ومهما فاضت المشاعر ليست كافية لحصر مآثره وأعماله أو سيرة حياته، ولكنها كلمة وفاء وعرفان لمثل هذا الإنسان المثالي، جعل الله أعماله وسعيه في ميزان حسناته.
اللهم اغفر له وارحمه وأكرم نزله، وألهم أهله وذويه الصبر والاحتساب.. والله المستعان.