الجزيرة الثقافية - محمد المرزوقي:
وصف أستاذ النظرية والنقد الحديث بكلية الآداب في جامعة الملك سعود بالرياض، الدكتور معجب العدواني، أن الاحتفاء باللغة العربية في يومها العالمي، لا يعني الركون إلى مألوف المناشط المنبرية، أو احتفاء اليوم الوحد، مؤكداً على أن الاحتفال باللغة العربية لا يمكن أن نتصوره أنه محصور في أن نتحدث فقط باللغة العربية الفصحى، أو مجرد الإلمام بمادتها المعجمية، وما أشبه ذلك، مضيفاً العدواني قوله: المنطلق الأساسي لأيّ خارطة عملية يمكن تقديمها للاحتفاء بلغتنا العربية بصورة مستدامة، ينطلق من الرغبة (الحقيقة) المجتمعية، التي تعززها تكاملية الشراكات ما بين المؤسسات التعليمية والقطاعين العام والخاص، لأن مسألة أي لغة، مسألة متعلقة بالمجتمعات نفسها.
وقال د. معجب: من ينظر إلى أن الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية، أو مفهوم الاحتفاء بها متعلق بممارسة اللغة، فهذه فكرة مجانبة للصواب، لذلك طرحت في ورقتي التي قدمتها قبل أيام بخيمة ابن المقرب في نادي الأحساء الأدبي، ضمن برنامجه الاحتفائي بيوم اللغة العربية العالمي، بأنه علينا ألا يكون لدينا نفور من العامية، أو من الأدب الشعبي، أو النفور من اللغات الأخرى، ما يجعلنا نفترض تحديات غير موجودة حقيقية، أو خصومة مع لغة ما، لأن هذا لن يقودنا إلى حل، ولا إلى الطريق الصحيح الذي من خلال نصل إلى حلول «عملية»، نستطيع من خلالها أن نجعل من اللغة عامل «استثمار»، بمعنى أنها تقود الناس إلى الاستفادة العلمية والعملية منها، لذلك أتذكر في سياق حديثي في هذا الجانب تحديداً، أنني قابلت تاجراً كان من أوائل الذين استفادوا من اللغة العربية في صناعة القاموس.
أما عن الأولويات «العملية»، التي من شأنها أن تحقق طابع «الاستدامة» في خدمة لغتنا، قال العدواني: علينا إقامة شراكات مع كافة الجهات التي من شأنها الإسهام في خدمة اللغة العربية وفنونها، لا أن نقطع العلاقة مع جهة أو لغة كان من المفترض أن نستثمرها شراكتنا معها من خلال تشكيل روافد لما نقوم به، فمثلاً كم من الزمن خسرنا في العالم العربي «ألف ليلة وليلة»، ولم نعرف بقيمتها إلا من خلال الآخر، الذي ترجمها ودرسها وأهتم بها، ما جعلنا نلتفت من خلال الآخر إليها!.
ومضى د. معجب في حديثه مشيراً إلى أن بعض الجهود أياً كانت فردية أو مؤسسية لا يتجاوز همها هدف أن نتحدث بها، ومرد ذلك ما يتم تداوله من أفكار مغلوطة حول ثقل استخدام اللغة العربية على فئة معينة، أو انحصار استخدامها في فئة أو مجال آخر، أو ما قد يتصوره البعض من التقعر، أو صعوبة الإلمام بمعجمها، إلى جانب وجود تصورات أطرت للأنموذج «موحش»، عن لغتنا العربية، ما يجعل وجهتنا العملية لخدمة لغتنا، خدمة نكون من خلالها قادرين على الاستثمار فيها ومن خلالها، عبر نموذج بسيط ولغة مبسطة، ولغة «تؤدي»، لا لغة متقعرة، وذلك من خلال التشاركية مع الجهات ذات الاختصاص، وفي مقدمتها منظمة اليونسكو، الهيئات والمؤسسات التي تعنى باللغات حول العالم. كما جاء في حديث العدواني عن الروافد العملية في مجال «الاستثمار»، في اللغة العربية قوله: لدينا منطلقات كثيرة، تحقق لنا الاستدامة في الاستثمار في لغتنا، ومنها على المستوى الداخلي (المحلي)، معاهد تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، ما يتطلب أن يكون لدينا توجه إلى مزيد من القدرة الاستيعابية في أعداد الطلاب في هذه المعاهد المنتشرة في جامعاتنا السعودية، لأننا وإن كنا يجب أن نستبعد فكرة العداء والقطيعة مع اللغات الأخرى، إلا أنه من الواجب علينا -أيضاً- أن نعي أننا مع تنافسية دائمة مع العديد من اللغات العالمية الأخرى، ما يجعل من استقطابا الطلاب والطالبات عبر هذه المعاهد شكل من أشكال الاستثمار الهام في خدمة اللغة العربية. وختم د. معجب حديثه في هذا السياق قائلاً: علينا أن ندرك وأن تكون خططنا المستقبلية في خدمة اللغة العربية من البوابة «الاستثمارية»، يجعل من جهودنا لخدمتها ذات قيمة، وجهود فاعلة، قادرة -على الأقل- أن تقدم لنا أنموذجاً، يتم العمل به ومن خلاله -مثلاً- لعام، ومن ثم نقيمه ونقومه، وتطويره، لذلك نحن في قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة الملك سعود، لدينا تصور من هذا المنطلق، يأتي ضمن برنامجه استثمار اللغة في «التقنية» الحاسوبية تحديداً، بوصفها خطوة عملية استثمارية سنسعى بمشيئة الله إلى الاشتغال عليها، عبر رؤية عملية، من شأنها خدمة اللغة عبر منطلقات استثمارية.