كانت وما زالت إسرائيل هي أكبر حاملة طائرات «أمريكية» في العالم- كما وصفها أحد الإعلاميين الأمريكيين! فهل يجوز قول العكس؟ أي أن يقول أحد الإعلاميين الصهاينة: أمريكا هي أكبر حاملة طائرات «إسرائيلية» في العالم؟... بالطبع لا، فلم يصنع الاستعمار «إسرائيل» ليكون أداة بيدها، بل لتكون «أجيرة بخسة أو مجموعة مرتزقة» بيده للسيطرة على العالم العربي وشرق المتوسط بالدرجة الأولى. وعلى الرغم من الأموال الطائلة التي تدفقت على الكيان الإسرائيلي منذ نشوئه، إلا أنه أصبح عاجزًا عن القيام بدوره في الحفاظ على مصالح الاستعمار. ولم ينحصر وراء جدار وحسب، إنما أصبح يطالب بنهر من الأموال ليظل على قيد الحياة من دون طائل! فهل يستطيع دافع الضرائب الأمريكي الاستمرار في إنعاش هذا الكيان؟
قال «نتنياهو» بعد سقوط «مبارك» في مصر: «لقد تخلت الولايات المتحدة عن حلفائها». وهو محق في ذلك قطعًا، لأن الولايات المتحدة والدول الاستعمارية الأخرى لا حليف ولا صديق لها! ومن ينتهي دوره من مرتزقتها ترفسه أو تغتاله، كي لا يبقى عارًا عليها أمام «دافع الضرائب الأمريكي»! والنزاع الذي نشب داخل كل من الكونغرس ومجلس الشيوخ والبنتاغون والمجتمع الأمريكي كله- قبل انتخاب ترامب- هو: هل نستمر في دعم «كيان» لا فائدة منه سوى العبء المالي على الخزينة المترهلة؟... الجواب المنطقي حتى لدى «المافيا» الرأسمالية؛ التي ليس لها مبادئ؛ هو بالتأكيد لا. ولكن تأثير اللوبي «الصهيوني»، الذي ترعرع على مدى ما يقارب السبعين عامًا في الولايات المتحدة، رجح فوز ترامب «الجمهوري» بشرط وحيد؛ وهو الاستمرار بدعم الكيان! وقد وعى ترامب هذه الحقيقة قبل انتخابه؛ وهو يعي حقيقة أخرى أيضًا؛ وهي أن كل الرؤساء الذين تعاقبوا على أمريكا؛ هم في النهاية موظفون لدى الشركات الكبرى؛ ولذلك لا يمكنه الاستمرار إلا بتحقيق مصالح تلك الشركات.
كانت مصالح الشركات الكبرى؛ التي تسمى؛ الكارتل النفطي والمجمع الصناعي العسكري؛ تقتضي الدعم اللا متناهي للكيان الصهيوني. وذلك لأنه أداة فعالة للحفاظ على مصالحها فيما يسمى «الشرق الأوسط» والعالم! ولكن تكلفة تلك الأداة أصبحت باهظة؛ ومردودها لا يذكر؛ فقد فشلت في تحويل الثورات من «حمراء» إلى «ملونة» حول العالم.
وفشلت في حماية نفسها على الأقل؛ بقبة حديدية؛ وبقبة ثانية «لاهوتية»؛ وثالثة بتحويل كل نشاط معادٍ للصهيونية، إلى «معاداة للسامية».
كما أن تحول الشركات الكبرى من سياسة «الديمقراطية الزائفة» إلى «الوقاحة المعلنة»، والاستهتار بمصالح «دافعي الضرائب» وعدم تلبية متطلباتهم بحجة «دعم إسرائيل»، يضع تلك الشركات في مواجهة مباشرة مع الشعب الذي يصنع ثرواتها! وأول احتجاج جماهيري في الولايات المتحدة ضد تلك الشركات؛ حسب «نعوم تشومسكي» ما كان في وول ستريت 2010، عندما رفع المتظاهرون شعار «يا سكان العالم اتحدوا».
طرح موضوع «عزل» ترامب في المؤسسات الأمريكية لا يخص شخص ترامب ذاته، إنما يخص السياسة الأمريكية كلها، إذا ما كانت ستسير بنفس النهج الذي يدخلها من فشل إلى آخر، وخطورة تجدد الاحتجاجات الجماهيرية على النظام الرأسمالي برمته، أم ستستجيب لصوت العقل! ولا عجب أن لائحة اتهام ترامب تحتوي على فشله في «حل الدولتين» في فلسطين المحتلة! فالذين يريدون عزل ترامب لا يهمهم فلسطين أو لبنان أو العراق أو أوكرانيا، إنما يهمهم مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة، بالتحلل من الإنفاق على «حاملات طائرات»؛ أو قواعد عسكرية؛ أو جيوش مرتزقة؛ أو «جيوش إلكترونية» ليست ذات جدوى!
** **
- عادل العلي