(ليندا) عنوان رواية للأستاذ فوزي البيتي، صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت بطبعتها الأولى سنة 2018 في إحدى عشرة وثلاثمائة صفحة. لا أدري لِمَ خص المؤلف ليندا بعنوان الرواية مع أنها واحدة ممن تعرف عليهن الراوي، وعاش معهن تجارب عابرة. فشخصيات الرواية الرئيسة هن: برديس وفدوى وراوية، فضلاً عن عدد من الشخصيات الهامشية نوعًا ما.
تبدأ الرواية من منتصفها حيث (جديس السادس عشر) القادم من صحراء الجزيرة يودع (برديس) فتاة الإسماعيلية التي تعمل مديرة علاقات عامة بأحد مستشفيات الخليج قبل هجرته إلى الأرجنتين. تبيَّن في نهاية الرواية دورها في حكايته الطويلة، فقد كانت خلال أيام لقاءاته بها على شاطئ الخليج تواسيه في محنته التي خرج منها مؤخرًا والتي كانت سببًا لاتخاذه قرار الهجرة. وكل أحداث الرواية بعد ذلك ليس إلا تداعيات لهذه الهجرة وللمأساة التي أدت إليها.
المحطة الثانية في الرواية هي (بوينس أيرس) عاصمة الأرجنتين حيث التقى الفنان التشكيلي (جديس السادس عشر) - بطل الرواية - بـ (ليندا) عارضة الأزياء السابقة ومقدمة برامج الاحتفالات والمهرجانات ليشكل معها ثنائيًا جوَّابا جالا معًا قارة أمريكا الجنوبية في معارض تقام هنا وهناك. أمضى جديس السادس عشر مع ليندا ذات الأصل الأمازيغي وقتًا طويلاً لكنها لم تتعرف عليه كما تريد مع أنها تلح عليه في كل يوم أن يحكي قصته، إلى أن حان الوقت الذي كشف فيه عن شخصيته وأماط اللثام عن مأساته. مأساته التي تتلخص في أنه من فئة (البدون) المهمشة التي بسببها حرم من الزواج ومن العمل ومن الحياة الكريمة، وحتى من جواز السفر الذي يستطيع أن ينطلق به حيث شاء.
في فترة من تجواله طاف بالعديد من أجزاء القارة الإفريقية بدءًا من مجاهلها مرورًا بالجزائر ثم المغرب حيث توقف به الزمان في الدار البيضاء ليلتقي بـ (فدوى) - بطلة الرواية الحقيقية - فقد كان بينهما قصة حب عنيفة انتهت بزواجه منها وعودته لبلاده على أمل أن يرق له قلب شيخ القبيلة فيسمح له بقدوم زوجته والتوأم الذي ولد بعد وصوله. لكن تمر عشر سنوات لم يستطع خلالها الحصول على إذن بالزواج ولا إذن بقدوم عائلته له، ومُنع من السفر لأجل هذا التجاوز في الأنظمة. عشر سنوات مرت على جديس حتى هداه تفكيره إلى أن يهرب بسيارته ذات الدفع الرباعي عبر صحراء الربع الخالي إلى دبي ليقابل فدوى وابنيها حيث اتفقوا على الالتقاء هناك. نجح في تجاوز الصحراء والحدود ولكنه لم ينجح في لقاء أسرته إلا جثثًا هامدة بفعل حادث مروري تعرضت له وهي في طريقها من مطار دبي إلى حيث السكن الذي اختارته لها.
بعد هذا الحدث هاجر جديس السادس عشر هجرة نهائية إلى الأرجنتين حيث توفي بين أحبة اتخذوه صديقًا، وأرض اعترفت به مواطنًا!.. تسيطر قضية الـ (بدون) على الراوي، فحين يتحدث عن زيارته لروسيا يعجب لتقديس الروس للشاعر (ألكسندر بوشكين) الذي كان أبواه مهاجرين من أريتريا حتى إنهم لقبوه «أمير شعراء روسيا».
وحين سألته (فدوى) بعد عقد قرانه عليها لِمَ لَم يتزوج من قبل من بلده؟ وأجابها: لأنه (بدون)، لم تفهم ما يعني بقوله بدون. شرح لها القصة فأذهلتها وأحزنتها وأبكتها.
الرواية مليئة بالمعلومات التاريخية والجغرافية والأدبية والثقافة العامة، ولكن الطريقة المميزة لعرضها في صلب أحداث الرواية خفف من عبء المعلومات التي تثقل عادة كاهل بعض الروايات. كما أن للغة الرشيقة التي صيغت بها الرواية دور في حفز القارئ لإكمال الرواية حتى صفحتها الأخيرة ذات الرقم 311.
** **
- سعد عبدالله الغريبي