د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
هذا كتاب أتحفني به الصديق أ.د. عبدالمحسن أحمد الطبطبائي أستاذ اللغة العربية رئيس قسم اللغة العربية في جامعة الكويت، وهو من منشورات دار آفاق عام 2018م.
يأتي هذا الكتاب في ساقة سلسلة من الكتب التعليمية التي عرفتها العربية في العصر الحديث، منها (النحو الواضح) لعلي الجارم، و(النحو الوافي) لعباس حسن، و(النحو المصفى) لمحمد عيد، و(النحو الكافي) لأيمن أمين عبد الغني، و(النحو الميسر) لحمدي محمود عبدالمطلب، و(النحو الجامعي) لمحمد أبوالفتوح شريف، و(النحو التطبيقي) لعبده الراجحي. أما كتابنا هذا فما لدي منه الجزء الثاني، وكتب عليه (المستوى الثاني). اجتُزئ بهذا عن وصفه بالجزء الثاني؛ لأنه مخصص لهذا المستوى من الدراسة في القسم.
لا يبدأ كتاب المستوى الثاني بمقدمة؛ لأنه صلة لكتاب المستوى الأول. وخُصص هذا الجزء من الكتاب للجملة الاسمية، وجُعل في بابين، أولهما عن المبتدأ والخبر، وآخرهما عن نواسخ المبتدأ والخبر.
يبدأ الكتاب بحديث عن الجملة الاسمية، يستصحب حديثًا عن الجملة الفعلية، ويصف الاسمية بأنها تبدأ باسم في موضع رفع، ولعله يقصد باسم مرفوع أو في موضع رفع. ونجده في حديثه عن ركني الجملة الفعلية وصف الفعل بالتمام، ويفهم من هذا أن الأفعال الناقصة التي تنسخ المبتدأ والخبر لا تجعل جملتهما لتصدرها جملة فعلية خلافًا لابن هشام(1).
ويفصل الكلام عن ركنَي الجملة الاسمية، فيبدأ بالخبر مبينًا صوره، فهو يأتي اسمًا صريحًا، أو اسمًا غير صريح، أي: ضميرًا أو اسم إشارة أو اسمًا موصولًا أو اسم شرط أو اسم استفهام. وقد يأتي مصدرًا مؤوَّلًا. وقد أحسن بذكر أنماط المصدر المؤوَّل، فذكر (أنْ) المصدرية والفعل، وهمزة التسوية والفعل، وفاته (أنّ) وما دخلت عليه، نحو قوله تعالى {ومن آياته أنَّك ترى الأرض خاشعة}[39-فصلت]؛ ولكن ذلك يرد عند الحديث عن (إنَّ). ولا يفوت المؤلف أن يشير إلى أن المبتدأ قد يرد مجرورًا لفظُه بعد حرف زائد أو شبيه بالزائد، وهما حرفان لا يتعلقان بفعل أو وصف، ثم ينهي القول بصور المبتدأ بالكلام على استعمال الوصف مبتدأ معتمدًا على استفهام ونحوه، حسب البصريين، أو غير معتمد على شيء، حسب الكوفيين، نحو: أقادم أخواك/ قادم أخواك. والمؤلف متبع في إقراره هذا للشائع من النحو المالكي (نسبة إلى ابن مالك). ولست مع ذلك؛ فقولنا: أقادم أخواك أو قادم أخواك أو قادمان أخواك أو أقادمان أخواك كله عندي على تقديم الخبر وتأخير المبتدأ. وأما ترك المطابقة في بعض تلك المُثل فلتقدم الخبر وتعينه للمبتدأ الذي جاء بعده، كالفعل الذي يتجرد لتأخر الفاعل، وتلزمه علامة المطابقة إن تقدم الفاعل، مثل: قدِم أخواك، وأخواك قدِما.
وتحدث عن الخبر فذكر صوره كما ذكر صور المبتدأ، فذكر أنه يأتي مفردًا، ويأتي جملة فعلية أو اسمية، ولا بد لهذه الجملة من رابط يربطها بالمبتدأ كالضمير العائد {وأولئك الأغلال في أعناقهم}[5-الرعد]، أو لفظ المبتدأ {الحاقة، ما الحاقة}[1، 2-الحاقة]، أو اسم الإشارة نحو {ولباس التقوى ذلك خير}[26-الأعراف]. وعندي أن هذا من إعادة لفظ المبتدأ، وهو المشار إليه المحذوف اجتزاءً؛ فالتقدير: ذلك اللباس. ومن الروابط لفظ العموم نحو (زيد نعم الرجل)، هذا مذهب النحويين كابن هشام(2)، ولكني أرى الرابط ضميرًا مستترًا هو خلف من زيد بعد تقدمه فأصل الجملة (نعم الرجل زيد)، ثم صارت (زيد نعم الرجل هو). قال الشاطبي «واقْتَضى جوازَ بُروُز المخصوص بعد الفاعل في نحو: زيدٌ نعم الرجلُ، فيقال: زيدٌ نعم الرجلُ هو»(1). ووقفنا على الصورة الثالثة من الخبر، وهو أن يكون حرف جر ومجرور أو ظرفًا، وتابع ابن هشام وغيره في تسمية ذلك بشبه الجملة، ولكن الصواب أنه لا يسمى شبه جملة حتى يكون مُتَعَلَّقُه المقدر وصفًا.
ومضى المؤلف يبين أحكام المبتدأ والخبر من إعراب وذكر وحذف وتقديم وتأخير، ثم أفضى إلى نواسخ الجملة الاسمية، فتحدث عن كان وأخواتها ثم الأحرف المشبهات بـ»ليس»، ثم ذكر كاد وأخواتها، وليست عندي من النواسخ، ولا تثريب على المؤلف فهو متابع لما في كتب النحو التعليمية. ووقفنا على الحروف الناسخة، وهي (إنَّ وأخواتها) و(لا النافية للجنس)، ثم انتهى المؤلف إلى ظن وأخواتها منبهًا إلى أنها أفعال تامة، فالجملة الاسمية التي دخلت عليها هذه الأفعال لم تعد جملة اسمية كما كانت مع كان وأخواتها؛ إذ استحال ركناها إلى مفعولين لظنّ ولأخواتها؛ والكتاب متابع لمفردات مقررات هي في الغالب معتمدة على موضوعات الألفية؛ لذا أرجئ أمر التفصيل في مواقع الجملة الاسمية من الإعراب، وهي مواقع نجدها مفرقة في أبواب النحو، ومر في هذا الكتاب كونها تأتي خبرًا.
يتميز هذا الكتاب بالترتيب؛ فهو اسم على مسمى، وهو كتاب جميل الطباعة والتنسيق والورق، يشجع القارئ على القراءة بما فيه من جداول ميسرة. والكتاب تميز بالتوثيق العلمي الذي يبعث القارئ على الاطمئنان. وأحسن المؤلف في الجمع بين الـمُثل والشواهد من آيات وأحاديثَ وأشعار، وأحسن بما ذكره من أمثلة الأعاريب المهمة، وجعل من التدريبات المتنوعة المتدرجة ما يُذكي مهارة الطالب، ويعزز معرفته بالقواعد النحوية.
(1) قال ابن هشام في (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب)، ص: 492: «والفعلية هِيَ الَّتِي صدرها فعلٌ كقام زيدٌ، وَضُرب اللصُّ، وَكَانَ زيد قَائِمًا، وظننته قَائِمًا، وَيقوم زيد، وقمْ».
(2) ابن هشام، شرح قطر الندى وبل الصدى، 119.
(3) الشاطبي، المقاصد الشافية شرح ألفية ابن مالك، 4: 544.