سهام القحطاني
«أنا مسلم.. وليس أحب عندي من أن تجتمع كلمة المسلمين، وإنني لا أتأخر عن تقديم نفسي وأسرتي في سبيل ذلك.»
المؤسس الخالد عبدالعزيز آل سعود-
عندما نتأمل الواقع السياسي للسعودية سنكتشف سر قوة ذلك الواقع على مستوى النظام العالمي، من خلال عدة محاور، لكن قبل ذلك علينا أن نجزم بأن قوة سياسة أي دولة على مستوى النظام العالمي تنبع أولاً من قوة مجتمعها الداخلي، تلك القوة التي يتشكل نطاقها من خلال وحدة المواطنة، سلامة الوعي وحمايته من الحزبية والطائفية والتطرف، ترقي الفكر بالتعليم، والمستوى الاقتصادي للفرد الضامن له حدود الرفاهية المعقولة، وذلك النطاق بأبعاده كان إحدى الغايات الكبرى في منهج المؤسس الخالد -رحمه الله- فقد تعهد وقد أوفي بأنه سيجعل من السعوديين «شعبًا عظيمًا ويستمتعون برفاهية هي أكبر بكثير من تلك التي عرفها أجدادهم».
وهو عهد التزم به أبناؤه الكرام قولاً وفعلاً حتى سلمان الحزم - حفظه الله- الذي يسعى إلى أن تُصبح السعودية بلدًا وشعبا «نموذجًا ناجحًا ورائدًا في العالم على كافة الأصعدة».
إن صناعة قوة حضارة المواطن السعودي كانت وما زالت غاية كبرى في منهج قادة السعودية منذ عهد المؤسس الخالد إلى صاحب الرؤية ولي العهد - حفظه الله- محمد بن سلمان الذي يؤمن ببناء «وطن أكثر ازدهارًا يجد فيه كل مواطن ما يتمناه».
لأن القوة الحقيقية المستدامة هي الإنسان وهو الرهان الذي لا خسران فيه.
أما أهم محاور عمق قوة السياسية السعودية في النظام العالمي فهي:
*ثبات المبادئ، أن الزعزعة السياسية التي تتعرض لها سياسة الدول هي حاصل الفكر السياسي الذي تعتنقه الذي بدوره يخضع للتطور الفكري وهذا التطور يُغيّب معايير الثبات مما يفقد المبادئ صدقيتها وخاصية الثقة، وقد أدرك المؤسس الخالد مأزق تبني أي فكر سياسي لبرمجة منهجه السياسي لذا اختار المنهج الذي يصلح لكل زمان ومكان ولا يخضع للأرشفة الدولية.
فكان خير منهج سياسي أثبتته الأيام منهج تأسس على الوسطية الإسلامية الداعمة للوحدة العربية والتسامح مع الآخر والانفتاح الحضاري، وهي رؤية ثابتة من عهد التأسيس إلى عهد الرؤية كما قال ولي العهد - حفظه الله-» رؤيتنا لبلادنا التي نريدها دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع دستورها الإسلام ومنهجها الوسطية تتقبل الآخر»، والمبادئ الثابتة للسياسة السعودية سواء على مستوى المنهج أو علاقتها بالوحدة العربية أو بالآخر والانفتاح على تجاربه الحضارية هي التي منحتها الثقة السياسية على مستوى النظام العالمي، وحوّلتها إلى رمانة الميزان في الشرق الأوسط.
*استدامة التطوير، أن من أهم مصادر قوى الدول، الاستدامة الداعمة للتطوير، فالسعودية ليست دولة دينية انعزالية كما يصورها بعض الجهلة، بل هي دولة مدنية راعية للتطور الحضاري على كافة المستويات المتفق مع معايير منهجها، لذا كانت السعودية النموذج الأقوى للإسلام الحضاري، بفضل إستراتيجياتها التطويرية سواء على المستوى الاجتماعي أو العلمي أو الاقتصادي وهذا النهج مستقر من عهد المؤسس الخالد إلى عهد الرؤية التي تأسست على قيم التطوير ومصادر استدامته وهو ما سيدفع المملكة كما يقول ولي العهد - حفظه الله- أن» تتقدم بخطى واثقة وثابتة في برنامج ضخم يهدف إلى التطوير والتغيير».
* توسع أفق الإصلاح.. من أهم أسباب القوة السياسية التي تحظى بها اليوم السعودية على مستوى النظام العالمي قدرتها على إعادة تجديد هيكلة الخطاب الإصلاحي الشامل ودمجه مع المستجدات الحضارية ضمن مبادئ أصل منهج التأسيس، وهذا التوسع فنّد كل الأفكار الكاذبة التي كان يروج لها أعداء السعودية، واليوم ونحن داخل الرؤية يشهد العالم بأسره السعودية الجديدة مما زاد من ثقل قوتها في ميزان النظام العالمي.
* القوة العسكرية المتنامية.. يعد اليوم الجيش السعودي من ضمن أقوى ثلاثة جيوش عسكرية في الشرق الأوسط بعد إسرائيل ومصر، بفضل ما يمتلكه من كوادر تدريبية على أعلى مستوى وامتلاك آليات عسكرية متفوقة الصنع وخطتها المستقبلية في الإنتاج العسكري، وكما يعلّم الجميع أن القوة العسكرية من أهم مصادر القوى بعد الاقتصاد في رسم أهمية المكانة السياسية لأي دولة على خريطة النظام العالمي.
*القوة الاقتصادية.. لا شك أن النفط مّثل وسيظل يمثل مصدر قوة سياسية للسعودية باعتبارها من الدول التي تمتلك احتياطيًا ضخمًا من النفط، مما جعلها تملك وسيلة تحكم في استقرار سوق النفط العالمي ودعم نموه الاقتصادي، ونظرًا لتقلبات السوق النفطي بحيث يجعله مصدرًا غير أمن لأحادية الدخل أسست رؤية 2030 مصادر أخرى للدخل لتضمن استدامة القوة الاقتصادية للبلاد مثل استثمار قدرات المواطن والقطاع الأهلي ومساهماتهما في توسيع الغطاء التنموي والمسارات الإنتاجية والصناعية والسياحية، ورفع قيمة أصول صندوق الاستثمارات، التحول الإستراتيجي لأرامكو، وفتح الباب للشراكة الاقتصادية العالمية.
*رعاية الإنسانية والسلام الإسلامي والعربي والدولي.. يعتقد البعض أن المكانة الدينية للسعودية هي التي اكسبتها قوة الثقة العربية والإسلامية والدولية باعتبارها القائدة للشعبين العربي والإسلامي، وهذه حقيقة لكنها ليست الحقيقة الوحيدة، بل جملة حقائق اكسبت السعودية قوة الثقة السياسية في النظام العالمي التي تعتمد على طبيعة المنهج السياسي الذي تأسس على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وهذا الأساس أكسبها ثقة كل الدول وجعلها تقف من الجميع نفس المسافة، وهذا المنهج حوّل السعودية إلى وسيط سلام بين الدول وبين الإخوة المختلفين.
لقد كانت وما زالت السعودية معينًا للدول العربية والإسلامية في أزماتها من خلال ما تقدمه من مساعدات إنسانية تنبثق من واجبها الديني والعروبي نحو الأمة، مما اكسب السعودية قوة إنسانية عند الشعبين العربي والإسلامي.
كانت السعودية ولا تزال الحلقة الأقوى لرعاية السلام في الشرق الأوسط من خلال ما تقدمه من مبادرات وبما تتسم به من محبة عند الشعبين العربي والإسلامي وثقة واحترام عند السياسة الدولية، ونزاهة مواقفها السياسية، وإستراتيجية الحياد التي سنتها لمنهجها السياسي وابتعادها عن لعبة التكتلات والمكايدات السياسية.
إن السعودية قيادة وشعبًا يتسمان بحب الحياة والسلام والخير والتسامح، لكن تلك السمات لا تمنعهما من الرد بقوة على كل معتدٍ يهدد أمنهما وحدود بلادهما فالاعتداء لا يُكسر إلا القوة وهو منهج رسخه المؤسس الخالد الذي قال «إني جعلت سنتي ومبدئي ألا أبدأ أبدًا بالعدوان بل الصبر عليه وأطيل الصبر... وإذا لم يبق للصبر مكان ضربت ضربتي وكانت القاضية».
فالدول تعظم قيمتها في النظام العالمي بقوتها في كسر حقد عدوها.
كل تلك المحاور هي التي صنعت قوة السعودية السياسية في النظام العالمي وجعلتها المعادلة الذهبية في ميزان السلام الدولي.
حفظ الله السعودية العظمى وقائد أمتنا وولي عهدنا وشعبنا من كل شر.