عبدالعزيز السماري
الحرب الأهلية على مختلف الأصعدة هو ما تمر فيه بعض البلاد العربية، فالاقتتال لم يكن في الميادين والشوارع، ولكن أيضًا في العقول، فالصراع الفكري والأيدولوجي لا يتوقف، لكنه في بعض أوجهه تحول إلى صراع سياسي عسكري، وهو ما قد يؤدي بالبلاد إلى الخراب والدمار الكامل كما يحدث في ليبيا، بعد أن دمرت ذلك الصراع سوريا بالكامل..
انتهى حكم الأيدولوجيات الضيقة، التي تفرض أفكارها بالحديد والنار، فالعقول تنورت بالعلم، وأصبحت تعي أكثر مما مضى، وخسرت قيادات الظل الذين كانوا يسعون إلى الانقلاب على فكرة، وفرض أخرى، وإذ لم يع المتصارعون في الدول العربية سيخسرون مزيداً من القتلى قبل الوصول إلى تلك القناعة..
لا بد من الإشادة بالتحول السلمي في السودان من نظام ضيق الأفق إلى منهج يتسع للجميع من دون إشارات إقصائية، فالجميع متساوون تحت مظلة الوطن، وهو الحل الذي ينتظره الجميع في الدول التي تتقاتل داخل أراضيها من أجل إحكام القبضة الحديدية..
بعبارة أسهل لا مجال لفرض فكرة محددة على الجميع، ويجب على الإنسان أن يقبل أخاه المواطن مهما اختلفوا، لكن ذلك لا يمنع أن تكون لك قناعاتك الخاصة من دون دعوة للعنف من أجل فرضها، وهو الطريق نحو مجتمع العقول المختلفة ولكن التي تحترم درجات اختلافها.
ولو تأملنا منطقة الشرق العربي في ظل السياق الطبيعي للتغيير، ستتضح صورة التداخل الأجنبي ضد التحول نحو مجتمعات السلام وحرية الاختيار، فالتدخل الإيراني والروسي والتركي والإسرائيلي أفسد الطريق نحو الاستقرار، وآخر عمليات التحول بسبب ميل بعضها نحو العنف..
بينما نجحت السودان وقبلها تونس في منع التدخلات الأجنبية، وفرض حالة السلم من الداخل من خلال قوى المجتمع المتفقة حول وحدة البلاد واستقرارها، فكان الحل السلمي في متناول اليد، بينما عانت الدول والمجتمعات التي سمحت للقوى الأجنبية بالدخول..
تلك كانت أزمة الدول العربية منذ الاستقلال، فالقوى التي تبحث عن السيطرة تستعين بالأجنبي من أجل فرض إرادتها مثل الحوثيين عندما استعانوا بالأجنبي الإيراني للوصول إلى حكم اليمن من خلال أيدولوجية ضيقة غير متصالحة مع مفاهيم العصر..
من الواضح للعيان أن الاستعانة بالأجنبي لا يمكن أن تجلب السلام للوطن، فالمطامع الأجنبية في المنطقة قديمة، ولن يبذل الأجنبي الجهد والمال والعتاد بلا مقابل، بل هو جاء بحثًا عن السيطرة على مدخرات الأوطان، وقد تكون بالفعل بداية جديدة لاستعمار جديد.. ومثال ذلك وضع روسيا في سوريا، ومن يحكم الآخر..
ما يحدث في ليبيا صورة أخرى للصراع الأجنبي الأجنبي من خلال قوى وطنية متصارعة خاصة بعد تدخل تركيا، ولعل ذلك دليل أن التخلف السياسي الذي سببه النظام السابق هو سبب دمار العقول السياسية في ليبيا..