د.ثريا العريض
عام 2020 يقف خلف الباب مستعدًّا لإشراعه غدًا على مرحلة جديدة في حياة كل منا، أفراداً ودولاً ومؤسسات. وقد اعتدنا أن نضع قائمة شبه طفولية بالرغبات والأحلام الشخصية التي يرغب كل منا في أن تتحقق في العام الجديد. ولو كان الأمر يتعلق فقط بالرغبات لهانت مهمة تحقيق الأحلام, ولكن الأمر يتطلب صدق وقوة الإرادة، وقدرة التنفيذ، دون تدخُّل من مستجدات خارجية، تفرض ضغوطها، وتحول دون ذلك.
شخصيًّا لدي الكثير من الأمنيات التي أرغب في أن أراها تتحقق بأسرع ما يمكن، ولكن قرار تحقيقها ليس بيدي؛ لأنها تتعلق بآخرين, أقرباء حميمين، أتمنى لهم أن يحقق الله أمانيهم.. وغرباء بعيدين، أتمنى أن لا تتحقق أمانيهم؛ لأنها تترصد بالشر جوارنا، والخير الذي نتمناه له. وفي أماني الشخصية في الحالتين أطلب من الله أن يختار الصلاح لي ولأحبائي ولعالمنا الأكبر القريب والبعيد، مؤمنة بأنه سبحانه الأدرى بالصلاح، وأفضل زمن لتحققه عاجلاً أم آجلاً. وكالعادة، سيخرج الكثير من المنجمين والمتكهنين ليتنبؤوا بما سيحدث في العام القادم، وسيظل ما يعلنونه، ويشغلون به ساعات من المقابلات الإعلامية، وآلاف المتابعين، إن لم يكن ملايين، مجرد تكهن، قد يعتمد على تحليلات للأحداث السابقة، واستشراف لتداعياتها القادمة.. وقد يكون مجرد استعراض لأسماء مشاهير بمواقع على هذه الأرض، تعيش قلقلة، واضطرابات خاصة بها، توحي بإمكانية حدوث ما يرسمونه من صور للمستقبل القادم. وحتى لو صادف وتحققت بعض هذه التخرصات فهي مصادفة، لا يُعتمد عليها مسبقًا لصنع القرار. والأحرى بالتصديق هو مقولة «كذب المنجمون ولو صدقوا».
مع الأسف، أغلب البشر تملؤهم الرغبة في معرفة الغيب. ولعل همهم السيطرة على ما سيحدث في المستقبل، وحماية أنفسهم مما يعرفون. وفي الوقت ذاته يتخوفون من مسؤولية اتخاذ القرار بأنفسهم دون معونة خارجية، تغششهم، وتشير عليهم بوجهة هذا القرار ووجاهته، سلبًا أو إيجابًا. ولا يختلف في هذا التفكير اللاعلمي مَن ينتمون إلى النخبة المتحكمة في صنع القرار، والملايين المتحكم في مصيرهم من قِبل غيرهم، وليس لهم في القرار أي خيار. وقد سجَّل المؤرخون أن رؤساء بعض كبار الدول، مثل الولايات المتحدة وروسيا والهند والصين, وعلى مدى أزمنة تاريخية، تمتد من آلاف السنين حتى الحاضر، كانوا يستعينون بالمنجمين المحترفين؛ ليشيروا عليهم بقرارات سياسية خطيرة، تنعكس تداعياتها على العلاقات السياسية والعسكرية في العالم. وكثيرًا ما يحمل هؤلاء المستشارون تعريفات دينية، تمنح مقولاتهم وتكهناتهم ومشوراتهم قيمة روحية مفترضة, مثل ما كان دور الراهب الشيطاني راسبوتين في روسيا القيصرية. ومع هذا لم يستطع راسبوتين التنبؤ بما حدث فعلاً من الثورة على النظام والقيصر وعائلته. بالمثل كان بعض الأمراء العرب في الجاهلية يتطيرون، ويخصصون يومًا للنحس، ويومًا للإيجابية.. وبناء على الوجهة التي يقرر طير مأسور، يُطلق سراحه، أن يتجه إليها، يتقرر مصير مَن يقابلهم المتطير. والأغلب أن الطير يتجه مع الريح بصورة عفوية غريزية، ولا علاقة لذلك بالسعد أو النحس.
ويبقى أن أقول إنني أرجو لنا جميعًا السداد في ما نتمناه وندعو به. وإننا جميعًا نستودع الله كل مَن هو غالٍ علينا واثقين بأنه سبحانه بحكمته ورؤيته ومشيئته سيختار الصلاح لنا ولأوطاننا ولقادتنا والطيبين من عباده؛ فهو سبحانه الأعلم بما سيكون، وبيده قرار النهايات والبدايات وعواقب الأمور.
كل عام وعالمنا بخير، برحمة من عليم قدير رحيم.