د. أحمد الفراج
نواصل الحديث حول الحوار الذي دار بيني وبين زميلي الباحث الأمريكي، الذي لا يُخفي خصومته لترامب وللمحافظين عمومًا؛ فهو يعيش حالة يأس من إمكانية زعزعة مكانة هذا الرئيس، رغم كل الأخطاء والخطايا التي يرى أنه ارتكبها؛ وهذا بسبب أنه لم يدرك بعد حالة الشعبوية التي يعيشها عالمنا حاليًا؛ فلم تعد القيم والمبادئ التي يتستر بها الساسة تجذب الناخبين؛ إذ هناك حالة خصومة مع العولمة، وكل ما يتعلق بها، ومَن يتابع خطابات ترامب يلحظ تركيزه المكثف على قضايا الأمة الأمريكية؛ فهو لا يُخفي مواقفه القومية الصارخة.. ولا غرو؛ فهذا الخطاب هو ما أوصله للبيت الأبيض، وأعاد الحياة للشعور القومي، وجذب شرائح المواطنين المهمشين الذين وصلوا مرحلة اليأس من السياسات التقليدية، ومن المؤسسات الصلبة في واشنطن، التي بالغت في تهميش الداخل الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
في كل مرة يكتشف المتابع أن خطاب ترامب العفوي، أو ما يعتقد الجميع أنه عفوي، ليس بالضرورة كذلك؛ فهو خطاب مفصل على مقاس الجمهور المتعطش، الجمهور الذي كسر كل القواعد التي تحكم شؤون وشجون الفوز والخسارة في شارع بنسلفانيا العتيد في واشنطن، ودمَّر مصداقية استطلاعات الرأي التي كانت تشير إلى خسارة ترامب الانتخابات الماضية؛ فترامب يعرف مزاج جمهوره جيدًا؛ إذ هو مثل مغنِّي الراب الذي يستطيع تحريك الجموع متى ما أراد، ويعرف النغمات التي تطرب هذا الجمهور العاشق؛ فيعزف عليها ببراعة منقطعة النظير، وهو عزف يجذب خصومه قبل أنصاره. ويخيَّل إليّ أحيانًا أن ترامب يضحك ملء شدقيه وهو يتابع ردات فعل خصومه، واتهامهم له بالتهور والجنون، وخصوصًا في الإعلام التقليدي الذي فَقَدَ بعض نجومه بوصلتهم من جراء متابعتهم لما يعتقدون أنه شطحات ترامب، في الوقت الذي يتمثل فيه ترامب بيت شعر الأستاذ الكبير؛ فينام ملء جفونه، ويترك ريشال مادو وكريس كومو ورفاقهما يسهرون حيال ما قال، ويختصمون في برامجهم العتيدة.. وسيتواصل الحديث.