«الجزيرة» - محمد المرزوقي:
شهد نادي المدينة المنورة الأدبي مساء الأربعاء الماضي 1/1/2020م محاضرةً حول مُضادات الثقافة ومِصداتها وفق رؤية الزميل الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي مدير التحرير للشؤون الثقافية، دعا إليها رئيس النادي الأستاذ الدكتور عبدالله بن عبدالرحيم عُسيلان، وأدارها الدكتور محمد بن إبراهيم الدبيسي، ونسق لها الأستاذ عيد الحجيلي المسؤول الثقافي بالنادي العريق، وقد قدَّم الدبيسي المحاضرة بكلمة وفيةٍ عن علاقته بالمحاضِر مما يؤرخ لمرحلة ثقافية مهمة في عقدي الثمانينيات والتسعينيات، (وستسعى الثقافية لنشرها كاملة في وقت لاحق)، ثم ابتدأ التركي محاضرته بالإيحاء بعدم تفاؤل العنوان مما يوحي أن الثقافة في موقف دفاعي ضعيف، وعرَّف المضادات بأنها: الوقوف في مواجهة الفكر الجاد المنتج محليًا وعولميًا ولمز المنظومة العلمية والفلسفية التي تجمع ذويه، أي أنها - كما وصف - تقليلُ مستوى القيم المعرفية وتجاهل قيمة المفكرين، وبعبارة مباشرة: امتلاء السطح وفراغ العمق.
وقد حدد الزميل التركي، أهم المضادات وتحدث عنها، إذ أبرز منها: سقوط النخب وسلطة العامة، والإقصاء، واختلاط الثقافي مع المؤدلج، وموت القارئ؛ فالجميع كما قال يكتبون وقلة يقرؤون، والاستعداء والاستعلاء، والتناقض لا المرحلية، والتشغيب، والتورم، وأشار التركي إلى رأي الإمام سفيان الثوري الذي لم يكن يخشى الإهانة بل التكريم، وتجارب بعض الكتاب الذين رفضوا مقايضة تآليفهم بمبالغ مالية كبيرة إذ الزيادة في رأيهم صدقة أو شفقة أو ابتزاز، ومؤكداً أن زمن ما فوق التصور كما أسمى كتابه «جوشوا كوبر رامو» مستشار وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر يقتضي مراجعة شاملة للمواقف والمواقع كي لا يجد الجيل القادم نفسه أمام مدخلات سيئة ذات مخرجات أسوأ قد تترسب دواخل عقول الجيل الناشئ فتبرمجها وتؤدلجها، وطالب التركي بتحرير المصطلحات، وتوازن العقل والنقل، وبقراءة تفكيكية لمعادلات الصحيح والخاطئ والقبيح والجميل ومثقال الذرة من الخير والشر، والعناية بالثقافة الرئيسية إذ لن يضير تراثَنا حذف كتاب الأغاني بمجلداته التي تجاوزت عشرين مجلدًا، لكنه سيتضاءل حد التلاشي لو ضاعت مصنفات النحو والبلاغة والنقد والفلسفة والطب والكيمياء ونحوها.
وخلص التركي في محاضرته إلى أن واقع الملحقات الثقافية غير واعد، ومستقبلها معتم، وقارن بينها وبين ملحق جريدة التايمز الأدبي الذي تجاوز عمره مئة عام وما زال فتيًا، كما تحدث عن مجلة «وجهات نظر» المتخصصة في مراجعة الكتب والتي لم يدم عمرها سوى بضعة عشر عامًا بالرغم من أنها من أفضل المجلات الثقافية العربية، وقال إنه سعيد بحصوله على مجلداتها كاملة وضمها عن طريق الشراء لمكتبته، واختتم التركي محاضرته بالتركيز على المستقبل المبني على العلم والأخلاق بما يتطلبانه من بناء العقول والنفوس بصورة متوازنة؛ فلن يكون الغد تكرارًا للأمس، والآتي مجموعة احتمالات تتطلب الإرادة والوعي والتدبير والإقدام، ورأى أننا سنكون أفضل لو درسنا الأخلاق بوصفها معارف لا إملاءات، وحقائق لا محفوظات، وممارسة وليس نظريات، مع اطّراح الأقنعة والمزايدات.
وقد أتاح مدير المحاضرة د. محمد الدبيسي المجال للمداخلات؛ فعلق عديدون منهم: الدكاترة والأساتذة: عايض الردادي وشكري سمارة وهلال الحارثي وفاطمة الشنقيطي ومحمد فلاتة وسواهم، ودار حوار ثري معهم، ثم اختتمت المحاضرة بجلسة ودية مع رئيس النادي وبعض الحاضرين امتدت حتى العاشرة والنصف مساء.