حمّاد السالمي
* لا خبر أمس واليوم وغدً؛ إلا خبر غزو تركي فاضح على بلد عربي وشعب عربي مزقته الخلافات في الخريف العربي. تركيا تستعد لغزو ليبيا برًا وبحرًا وجوًا؛ تلبية لدعوة من فايز السراج رئيس حكومة طرابلس غير المعترف به وبها من الليبيين أنفسهم. الهدف المعلن هو: تخليص الشعب الليبي من الشعب الليبي..! يا لسخرية القدر. السراج على ما يبدو؛ يخشى أن تُستأصل صلة أجداده الأتراك من هذا البلد العربي المنكوب، ويخشى كذلك إنهاء حزبه: (حزب العدالة والبناء) الإخونجي في طرابلس بقيادة محمد صوان، وبالتالي تمزيق البنية المليشياوية التي رعاها هو والحزب في ليبيا بعد هلاك معمّر القذافي.
* ما إن هلك القذافي في 20 أكتوبر 2011م؛ حتى جمع الإخونج في هذا البلد شتاتهم برعاية تركية قردوغانية. من هنا ظهر (حزب العدالة والبناء) الليبي في طرابلس على غرار (حزب العدالة والتنمية) التركي برئاسة خليفة الإخونج قردوغان. التحالف التركي القردوغاني مع سراج طرابلس وحزبه؛ لم يكن أيدولوجيًا فقط، ولكنه ديني سياسي اقتصادي، فتركيا قردوغان؛ تنظر بعين بعيدة إلى ما تحت رمال ومياه ليبيا من نفط وغاز، وإلى سوقها الاستهلاكي المحتاج إلى الغذاء والكساء والدواء والتشغيل والأسلحة. إن ليبيا المحادة لمصر وتونس والجزائر؛ تشكل قاعدة مهمة على البحر الأبيض المتوسط، وهي مهيأة لظهور دولة إخوانية على غرار دولتهم التي دالت وزالت في مصر. مصر.. مصر. نعم مصر التي هي منبت التنظيم الإخواني، ومع ذلك لم تقم لهم فيها قائمة. العين.. عين الثلاثي البغيظ: (إيران وتركيا والإخوان)؛ على مصر، أرض الكنانة، انطلاقًا من ليبيا الذي يسعى قردوغان وحزبه إلى غزوها، وتمكين جماعة الإخوان منها، وتحويلها إلى قِبلة لشذاذ الأرض من الإرهابيين المنتمين للقاعدة وداعش والنصرة وبوكو حرام وكل ما هو حرام وحرامي. غير مهم عنده؛ الشعب العربي الليبي، ولا جواره العربي في مصر وتونس والجزائر. أفرع جماعة الإخوان في تونس والجزائر والمغرب؛ تعمل بصمت إلى حد ما، ولها طريقتها في مجتمعات تنتمي للفرانكفونية أكثر.
* إذن.. نحن في مواجهة غزو عسكري تركي لأرض عربية، يأتي معه بطيف تنظيمي ديني إخواني موالي.. بل حليف لقردوغان وحزبه. تنظيم يثبّت قدم تركيا قردوغان في ليبيا، ويحقق لها المزيد من المصالح والمكاسب، التي يأتي على رأسها؛ تأسيس دولة إخوانية في ليبيا، وتطمين بقية أفرع الإخوان المفسدين في آسيا وأفريقيا وأوروبا وغيرها؛ إلى أن الجماعة ما زالت بخير، وأنها إذا خسرت في مصر والسودان والجزائر والخليج؛ فإنها قادرة على البقاء، ومن ثم العمل من جديد في إطار إقليمي ودُولي، يُبقي على حلمها في تأسيس (الخرافة الإسلامية)، برئاسة تركية، ومساندة إيرانية، وتمويل قطري غير محدود.
* تركيا تستعد لغزو ليبيا.. خبر الساعة وكل ساعة، حتى يعود الوعي لبعض أبناء هذا البلد العربي الكبير، وحتى ينتفض المارد العربي فيهم وفي بقية أبناء العروبة من الخليج إلى المحيط، وحتى يتحرك كل ليبي حر بضمير وطني حي، لا يرضى لأرضه وعرضه وترابه هذه المهانة والإهانة. نتابع بكل مرارة؛ فصلًا مسرحيًا جديدًا من فصول المزاوجة بين (الخلافة الإسلامية؛ وإمامة الفقيه الشيعية).. مسرحية إيرانية تركية إخوانية؛ لا يشبهها غيرها في شتى أقطار العالم.
* وإذا كان لكل حرب وقودها؛ فإن قردوغان لن يجد وقودًا لحروبه القادمة مع الجيش الليبي؛ إلا الجهاديين المرتزقة، من عناصر القاعدة وداعش والنصرة، ومن فصائل الاحتراب والإرهاب التي رعاها ورباها هو في سورية من قبل. كانت وما زالت استانبول؛ معبرًا للإرهابيين الذين يدخلون إلى سورية ويخرجون منها، حتى جرحى الإرهابيين؛ يجدون علاجهم في الداخل التركي على عين قردوغان وحزبه، وأبو بكر البغدادي أمير الإرهاب في داعش؛ كان في رعاية وحماية قردوغان وإيران وحزب الإخوان، حتى هلك غير مأسوف عليه؛ بعد أن أدى لتركيا وإيران ما عليه، وما سعت إليه قوى دولية كانت وما زالت تتصارع هنا على حساب حياة السوريين وتاريخهم وأرضهم.
* ظهر اليوم؛ أن طلائع من مقاتلي الجماعات الإرهابية في أرض الشام؛ وصلت إلى ليبيا، وأن طلائع أخرى تتدرب وتنتظر إشارة التحرك من الأتراك. هنا في الأرض العربية السورية؛ التقت مصالح تركيا وإيران وروسيا والإخوان والاستخبارات الغربية، لتأسيس سوق نخاسة، يباع فيها ويشترى؛ شباب عربي مسلم، يظن أنه يجاهد في سبيل الله. هؤلاء الشباب؛ سمعوا من مشايخهم في بلدانهم؛ كلامًا معسولًا عن الجهاد والجنة فصدقوه، وراحوا يتفننون في القتل والسلب والتكفير والتفجير؛ خاصة وأن منابر الجمعة في بلدانهم؛ ظلت وما زالت تدعو لهم بالنصر والتمكين، ودخول الجنة بغير حساب..! عجبي.. هؤلاء المساكين، ليس أمامهم إلا عرض أنفسهم وبيعها لخدمة خليفة المسلمين القادم من أنقرة، والقتال معه في الزمان الذي يريد، والمكان الذي يريد.
* صدق القذافي مرة واحدة في حياته؛ يوم أن حذر الليبيين من تكرار الاحتلال التركي العثماني، فالأتراك سبق أن باعوا ليبيا للإيطاليين سنة 1912م مقابل جزيرة في بحر إيجة. ثم قال يومها: (الغزو العثماني لليبيا..هذا المشهد قد يتكرر في المستقبل). وها نحن وجهًا لوجه أمام هذا المستقبل.