عمرو أبوالعطا
تعدُّ الكوليرا من الأمراض المعدية، وتنتقل عن طريق بكتريا تسمى الفيبريو كوليرا من خلال الأشربة والأطعمة الملوثة ببراز الأشخاص المصابين بهذا المرض. وتؤدي الكوليرا إلى إصابة المريض بإسهال حاد جدًّا. ويرتكز علاج الكوليرا على تقديم السوائل للمريض. بينما تعد أهم طرق الوقاية منها هو تعقيم المياه المستخدمة في الشرب. لكن لا خوف من الكوليرا كمرض مُعدٍ، يمكن علاجه، لكن هناك وباء أخطر، يتمثل في كوليرا أردوغان السياسية التي أصابت تركيا منذ توليه حكمها..
إن حال التخبط والارتباك وعدم الاستقرار السياسي التي تعيشها تركيا الآن هي نتيجة طبيعية لسلوكها وأفعالها خلال الفترة الماضية. والوضع المريب والمرتبك الذي يظهر عليه مسؤولوها بين الحين والآخر هو أيضًا نتيجة حتمية لتورطهم وقلة حيلتهم، وانكشاف أمرهم بضلوعهم في دعم وتمويل المجرمين والإرهابيين لزعزعة استقرار الدول. فالرؤية التركية مع كوليرا أردوغان تبقى قاصرة عن استقراء النهج والسلوك الإرهابي العابث في المنطقة.
السؤال الأول: ماذا يريد أردوغان من هذه الحملة السافرة على الشمال السوري..؟ هل يريد حماية بلاده من الإرهاب والقضاء على بقايا تنظيم داعش الدموي، أم يريد إبادة الأكراد لإنهاء حلم الدولة المستقلة التي يفكرون في إقامتها، أم يحاول السير على طريق «حلم الخلافة» الخاص به، الذي تحطم بعد وضع جماعة الإخوان في قوائم الإرهاب بالمنطقة؟
ها نحن نرى مجددًا قرى ومدنًا سورية تحترق، وتمتلئ الشوارع بالجثث، والمستشفيات بالجرحى، وعشرات الآلاف من المهجرين واللاجئين يبحثون عن ملجأ آمن من العدوان التركي. فما يرتكبه أردوغان في الشعب السوري جريمة يجب الوقوف ضدها بوضوح وحسم.
بعد انخفاض شعبيته، ووجود انقسامات داخل حزبه، ومواجهته مشكلات اقتصادية كبيرة، سعى الرئيس التركي لمغازلة الأتراك بمحاولة اللعب على وتر الأمن القومي التركي، وحماية البلاد من الخطر الكردي المتمثل على حدودها. وباحثًا عن الهروب من مشكلاته داخل تركيا أعلن أردوغان إطلاق جيش بلاده عملية «نبع السلام» في شمال سوريا لتطهيرها من تنظيمَي «بي كا كا/ ي ب ك» و»داعش» الإرهابيَّين، وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. روايات كثيرة وتبريرات متعددة أعلنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول سبب هذه العملية.
يستخدم الجيش التركي كل الأسلحة المتاحة في يديه بسوريا؛ وذلك لمواجهة الفشل الواضح لخطته. ويلجأ أردوغان إلى الأسلحة المحظورة عالميًّا مثل الفسفور والنابالم لإبادة الأكراد، التي أكدتها صرخات الفتى الكردي محمد وهو يصارع الألم وذوبان جلده المستمر بفعل الفسفور الأبيض والنابالم، وهو يتوسل قائلاً: «أتوسل إليكم.. جسدي يحترق.. أوقفوا النار عن جسدي».
وقد لجأ البنك المركزي التركي مؤخرًا إلى بيع 1.2 مليار دولار أمريكي من الاحتياطي النقدي في محاولة منه للسيطرة على سعر صرف العملة خوفًا من التقلبات التي قد تتبع العملية العسكرية التي تشنها تركيا على شمال سوريا وسط انتقادات حادة من المجتمع الدولي، خاصة بعد التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات اقتصادية كبيرة على الجانب التركي.
جرائم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوريا لا تحتاج إلى أدلة أو براهين؛ فقد بات إرهابه في وضح النهار أمام أعين العالم، يسفك الدماء ويقتل الأبرياء، ويشرد الآلاف، وينتهك مواثيق حقوق الإنسان، ويرتكب جرائم حرب ضد الإنسانية بشهادة المجتمع الدولي.
إن الجيش التركي وحلفاءه يستهدفون المدنيين العزّل شمال سوريا من أطفال ونساء وشيوخ بالقصف العشوائي الثقيل، ويستخدمون أسلحة محرمة دوليًّا. وقد سجلت تقارير حقوقية موثوقة استهدافهم أماكن وجود الأطفال من مدارس ورياض أطفال وقوافل نزوح للاجئين مرتكبين بذلك جرائم قتل على نطاق واسع؛ إذ استهدفوا من خلالها المدنيين بشكل مباشر ومتعمد، وهو ما يتعارض مع قواعد القانون الدولي المرتبطة بحظر استهداف المدنيين والأعيان المدنية خلال النزاعات المسلحة. ما يرتكبه أردوغان وجيشه من جرائم دولية تهدد السلم والأمن الدوليَّين ينحدر لمستوى جرائم الحرب وجرائم التطهير العرقي التي تعتبر مخالفة واضحة وفقًا لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، ويدخل ضمن اختصاص محكمة الجنايات الدولية وفقًا لنص المادة الثامنة من ميثاق روما لعام 1998.
السؤال الثاني: ماذا يريد أردوغان من تدخّله العسكري في ليبيا؟ هل يرغب أردوغان من انخراط تركيا سياسيًّا وعسكريًّا في ليبيا في أن تكون قريبة من مصر عن طريق الوجود على حدودها الغربية.. أم هو مطمع في احتياطي ليبيا من الغاز الطبيعي؟!
إن وصول قوات تركية إلى ليبيا ربما يشعل فتيل حرب إقليمية في المنطقة بأسرها. ويبدو أن الرئيس أردوغان على حافة الإقدام على المغامرة أو المقامرة الأكبر في حياته السياسية، خاصة أن مغامرته الأخرى في سوريا عادت عليه بالعديد من المشاكل والإخفاقات.. فتضييق الخناق عليه في سوريا دفعه إلى الهرب إلى ليبيا، غير أن السبب الرئيس يكمن في أن نصرة الميليشيات الإخوانية التي تحكم طرابلس، وتقاتل ضد الجيش الليبي، هي في حد ذاتها هدف عقائدي، يمكن لأردوغان الدفاع من خلاله عن تدخّله في بلد بعيد عن حدود تركيا إذا ما تعرّض للمساءلة القانونية.
قدمت تركيا دعمًا لوجستيًّا ومعلوماتيًّا لصالح الميليشيات الإرهابية وجماعة الإخوان في ليبيا، وأمدت أكثر من مرة الإرهابيين بالأسلحة عبر الموانئ الجوية والبحرية، واعترفت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة في تقرير بتاريخ 23 فبراير 2015 بدعم تركيا الإرهاب في ليبيا، خاصة ميليشيات فجر ليبيا الإرهابية، وتم ضبط أكثر من سفينة تركية محمّلة بالأسلحة، منها ما ضبطتها قوات خفر السواحل اليونانية، ومنها ما تم ضبطه في الموانئ الليبية.
تعد مصر إحدى أكثر دول الجوار الليبي تأثرًا بتنامي الجماعات الجهادية في ليبيا، خاصة في ضوء وجود تشابكات جغرافية وسياسية وأيديولوجية بين التيارات الإسلامية في البلدين، التي تعمقت عقب صعود التيار الإسلامي. وانطلاقًا من هذا حاولت تركيا عبر تدخّلها في ليبيا ودعمها الإخوان المسلمين ضرب الأمن القومي المصري بتمويل الجماعات الإرهابية المنتشرة هناك، ومحاولة تكوين ميليشيات مسلحة خاصة لتنفيذ أجندتها التخريبية بالمنطقة، واستخدام الأراضي الليبية كقاعدة انطلاق لمقاتلي تنظيم داعش.