د. أحمد الفراج
فاجأ الرئيس ترمب إيران بشكل لم تتوقعه في أسوأ كوابيسها، إذ كانت على يقين بأنه لن يجرؤ على تنفيذ عملية عسكرية كبرى، تمثلت في قتل قاسم سليماني، أهم شخصية إيرانية بعد المرشد الأعلى، وفات عليها أنه رئيس اشتهر بتنفيذ وعوده، كما فات على ملاليها أن اقتحام سفارة أمريكا في بغداد أعاد ذكريات سيئة في مخيلة الشعب الأمريكي، عندما تم اقتحام سفارة أمريكا في طهران قبل40 عاما، وهذا هو ما شجّع ترمب على اتخاذ القرار باستهداف سليماني، رغم حرصه الشديد على عدم الدخول في أي حرب، كما وعد ناخبيه، وتأتي أهمية سليماني في أنه هو المسؤول عن سياسة التوسع الإيرانية في المنطقة، والرأس المؤسس والمدبر لكل التنظيمات التي تسير في فلك إيران، وأهمها حزب الله العراقي وتنظيم الحوثي وغيرها من تنظيمات الإرهاب، التي تخدم سياسات إيران خارج نطاقها الجغرافي، هذا عدا أنه رجل المرشد الأعلى المقرب وذراعه القوية داخل إيران وخارجها.
إيران لم تستفق حتى الآن من هول الصدمة، وهي في حالة ارتباك تام، فهناك شخصيات تُعوّض وأخرى لا يمكن تعويضها، وسليماني من الصنف الثاني، فهو عسكري أساسا، ولكنه رجل سياسة أيضا، ومن المسلم به أن غياب القائد يترك أثرا سلبيا على معنويات أتباعه، ومن شاهد ردود فعل قادة إيران يدرك مدى الخسارة الفادحة التي يشعرون بها، والمرارة الكبيرة، التي خلفها موت سليماني، ورغم تهديدات إيران بالرد بشكل مباشر على أمريكا، إلا أن احتمالات ذلك تبدو ضعيفة للغاية، فهي لم تدخل حربا مباشرة، منذ نهاية حربها مع العراق، وبالتالي فإنها قد ترد عبر وكلائها، ثم تتنصل من المسؤولية، كما حدث في السابق، كما أنها ستُصعّد الحرب الكلامية، مثلما يفعل عميلها حسن نصر الله، والأهم هو أن إيران تدرك أن ترمب ليس أوباما، وأن من استهدف شخصية بحجم سليماني لن يتوانى عن استهداف ما هو أكبر منه، حتى داخل إيران ذاتها، ولا شك أن الأيام القادمة ستشهد تصعيدا لا يمكن التنبؤ بحجمه، ولذا سنراقب ونتابع تطورات المشهد.