فهد بن جليد
ستبقى المهمة صعبة جداً وشاقة، بل ومُستحيلة من وجهة نظري، في البدايات كنتُ شخصياً أنزعج من (الانطباع الخاطئ) الذي يتشكل في أذهان من أقابلهم أو أتعامل معهم للمرة الأولى، أو حتى من الجمهور والمُتابعين على كل المنصات التي أخرج من خلالها، عندما يفهمني أحدهم بشكل خاطئ، كنتُ أحاول جاهداً -بلا مُبالغة- مُلاحقة (كل شخص) بعينه لتصحيح وجهة نظره، والتحاور معه لضمان تشكيله انطباعاً صحيحاً وحقيقياً يعكس شخصيتي، ولكنَّ النتيجة مُخيبة للآمال مع ظهور مفاهيم وقوانين في العلاقات الإنسانية تؤكد أنَّ تصحيح الصورة بالتبرير والتوضيح يُشوِّهها أكثر، وأنَّ الحل يكمن في الثقة في النفس فقط، ثم ترك الحقيقة تخرج جليَّة كما هي، ليكتشفها الآخرون بأنفسهم، فهذا أكثر فعالية لتصحيح المفاهيم الخاطئة من غيره من الحلول، فقط افعل الصواب بما يُرضي الله ثم ضميرك وقناعاتك، واترك للآخرين (حرية الفهم) الذي يريدون، فلن تُغير من انطباعهم المُسبق عنك -مهما فعلت-.
ما سبق لا يتعارض مع أدبيات (الكاريزما)، التي يجب تعلمها للظهور بشكل لائق وجاذب وشخصية واثقة ومحبوبة، سعياً وطمعاً في ترك أثر طيب وانطباع حسن في المحيط، يعكس حقيقتك دون لبس أو لغط بابتسامة وكلمة طيبة ونظرة صادقة وتعامل حسن، مع ضرورة الحرص على الوضوح والصراحة لمنع تسجيل الانطباع الخاطئ، وهذا لا يحدث عادة في الثقافات الغربية التي تحكم العلاقات فيها المصالح الدائمة، بعيداً عن العاطفة والمشاعر المُتراكمة في العلاقات، فكل موقف تحكمه ظروفه المُحيطة، فهو مُستقل بذاته عن المواقف الأخرى، بعكس عالمنا العربي وعلاقاتنا الإنسانية التي تتحكم فيها العاطفة والانطباع الأولي الذي يستمرُ معنا طويلاً، وربما أعمى بعضنا عن الفهم الصحيح والحُكم الصائب على الأشخاص، وتسمية الأمور بمسمياتها بعيداً عن العاطفة وصورتها النمطية التي تتشكل بسبب موقف أو كلمة أو هيئة أو شكل، قد يكون له ما يُبرِّره.
سيكولوجيا الانطباع الأولي ظالمة وقاسية ومُتسرِّعة، ولكنَّه معمول بها للأسف على نطاق واسع في علاقاتنا الإنسانية، والأمَرّ هو عندما نلغي خاصية التفكير لتتشكل لدينا الصورة تبعاً لنصيحة أو تجربة أو توصية آخرين غيرنا، حينها نكون بالفعل عطلنا عقولنا، ومنحنا غيرنا حق التفكير واتخاذ القرار نيابة عنا، وهذه أخطر الصور المشوَّهة في العلاقات الإنسانية، وهي لا تقل عن ظلم الحُكم والانطباع تبعاً للجنس أو الجنسية أو الطائفة أو الاسم أو الشكل أو حتى الإعاقة.
وعلى دروب الخير نلتقي.