فهد بن جليد
هناك فرق بين تحلي الإعلان التجاري بقيم المجتمع ومراعاتها كضرورة، وصور استغلال الإعلان القيم الاجتماعية والأخلاقية والدينية التي نراها في بعض منصات الإعلان المختلفة اليوم، عندما تم توظيفها لأغراض تجارية بحتة؛ الأمر الذي يتطلب تدخلاً من (جهة ما) للتصدي لمثل هذه الممارسات المخادعة - من وجهة نظري الشخصية - على الأقل تبعًا وتماشيًا مع تلك الأدبيات وعلوم فن الإعلان التي درسناها في كليات الإعلام، بضرورة أن لا يتعمد الإعلان استغلال مشاعر وحاجات الناس بطريقة مخادعة لمصلحة ربحية، بربط بعض المنتجات بالعبادات أو بر الوالدين أو صلة الأرحام أو العلاقات الأسرية والزوجية، والمواسم الدينية والمناسبات الاجتماعية والوطنية، أو حتى حب الآباء لأبنائهم.. فكما أن الإعلان مادة إبداعية، تحاك بإتقان لدغدغة مشاعر المتلقين، وتحفيزهم لاتخاذ قرار الشراء، أو تشكيل صورة إيجابية عن المادة أو المنتج، كفن وصناعة ورسالة إبداعية، فيجب مراعاة أن تلتزم هذه الرسالة بالثقافات والقيم، وتعززها دون استغلال.
الخطر أن الإعلانات التجارية لدينا لا تكتفي بتعزيز الثقافات السلبية لدى المستهلك بالتبذير والشراء دون حاجة، بل تغلف ذلك بخدعة أن قرار الشراء هو القرار الصائب للاستحواذ والحصول على المنتج أو السلعة لتوفير المزيد من الأموال، أو تجويد الخدمات؛ ما ينتج عنه فقدان الثقة الذي يمتد ليشمل حتى الإعلانات الخدمية أو التوعوية غير التجارية، التي بدأ بعضها في مجاراة الأسلوب التأثيري التجاري بالإيقاع السريع، وتقديم الوعود البراقة غير الدقيقة أحيانًا؛ لتخالف بذلك قيم المجتمع بدلاً من العمل على تعزيزها.
القوانين الأمريكية والأوروبية تجرم الإعلانات التي تستغل الطفل والمرأة والمسن، أو تلك التي تخلق حاجات وهمية، وتحولها إلى حاجات أساسية عند المستهلك، وتمنع الإعلان الذي يحوي إساءة للذوق العام؛ كي لا يصبح تلوثًا بصريًّا أو لفظيًّا أو ثقافيًّا أو قيميًّا، وتحظر إعلانات الإطراء المبالغ فيها، وتضع خطًّا فاصلاً، يصعب تحديده بين المصداقية والخداع إلا في المحاكم. وأذكر أنني كتبت هنا في 26 أكتوبر عام 2014 عن قصة التعويض المادي بـ(10 دولارات) الذي فرضته المحكمة لكل مستهلك في أمريكا اشترى (مشروب الطاقة) بين عامي 2002 - 2014؛ لأنه لم يحصل على جوانح كما كان يقول الإعلان الذي روجت له الشركة. والسبب يعود لمستهلك واحد، تقدم بشكوى كسبها؛ ليتم تعميمها، واستفاد منها ملايين المستهلكين الآخرين في واحدة من أشهر قضايا الإعلانات المضللة في العالم. المساحة انتهت، وما زال لدي الكثير مما يمكن الاستفادة منه لوضع تشريعات وضوابط مجتمعية للإعلان، تمنع استغلال الإعلان القيم الاجتماعية والأخلاقية والدينية.
وعلى دروب الخير نلتقي.