«الجزيرة» - حاوره - محمد المرزوقي:
مشروع إسلامي وعالمي.. منطلقه إرادة أهلية.. وقيم خيرية.. بزغت بواكير ضيائه من مهبط الوحي الذي بزغت منه شمس الرسالة المحمدية، ومن مكة المكرمة في شهر رمضان المبارك لعام ست وثلاثين وأربع مئة وألف للهجرة صدح الإعلان عن فكرة «الموسوعة الإسلامية»؛ لتكون موسوعة شاملة، كواحدة من أبرز الموسوعات الأممية العالمية لخدمة العرب والمسلمين، غايتها الكبرى خدمة الإسلام، وتقديمه في محتوى رقمي، يتخذ من المعاصرة أولى لبنات استدامته المستقبلية؛ لتظل هذه الموسوعة صفحة (ممتدة) مشرقة بالذاكرة العربية والإسلامية.. مشرفة بما سيحف مسيرتها من تعاون عربي وإسلامي (دائم) على إنجاز مسيرتها الأممية العالمية.. جاء هذا في ثنايا حوار معالي الدكتور علي بن إبراهيم النملة لـ»الجزيرة» في أول حديث له عن مشروع «الموسوعة الإسلامية».
* استهلالاً لهذا الحوار، ما هي الفكرة التي انطلق منها مشروع الموسوعة الإسلامية الشاملة؟ وماذا عن هيأتها؟
هي موسوعة «خيرية أهلية»؛ وبالتالي تخضع للنظام العام للمملكة العربية السعودية، بلادنا التي نعتز بها، ونفتخر بمنجزاتها على مستوى الأصعدة، ومن ثم فانطلاقة الفكرة والتنفيذ من داخل المملكة، وتحديدًا من مكة المكرمة، حيث سيكون لديها هيأة استشارية؛ لذا فلدينا الآن مجلس تأسيسي للموسوعة، وتحول هذا المجلس في بعض أعضائه إلى مجلس إدارة برئاستي، كما أن لدينا أيضًا في هذا الجانب التنظيمي أعضاء جمعية عمومية، وذلك تبعًا للوائح المنظمة لتأسيس الجمعيات الأهلية الخيرية في المملكة، المقرَّة من مجلس الوزراء؛ ما جعلنا نسير وفقًا لتنظيم هذا النوع من المؤسسات، التي تضمنتها مرحلة (التأسيس) لهذه الموسوعة «الموضوعية» التي لا تخضع لأي اعتبارات غير تقديم الإسلام على طبق - كما يقال - من ذهب، دون أي تحيز، أو ما قد يتم تصوره عنها من انتماءات، أو أهواء معينة، أو ما شابهها، وإنما رؤيتها إسلامية، ورسالتها: أن تُطرح المعلومة الإسلامية بصورة موضوعية تحقيقًا لأهدافها الفاعلة التي تنشدها. هذا ما نسعى إليه.
* في وقفة موجزة توضيحية للقارئ، ومقارنة بين مسارَي الموسوعات الشاملة والأخرى الموضوعية، ما جوهر الفرق بينهما؟
الموسوعات الموضوعية هي الموسوعات التي تُعنى بموضوع معين ومحدد، سواء كان يتعلق بموضوع واحد، أو بقُطر، أو بجهة جغرافية محدودة. أما الموسوعات الشاملة فهي موسوعات تُعنى بمجالات كثيرة، وجوانب متعددة، ومداخل شاملة لمختلف الجوانب التي تتبنى تناولها؛ لتضم مداخل كثيرة جدًّا، ومحتوى يتميز بالضخامة والشمولية.
* لديكم القيم الراسخة الإسلامية، والرؤية لعمل مستدام شمولي، والأهداف الواضحة، فمن هو المستهدف بهذه الموسوعة؟
نستهدف بهذه الموسوعة الإسلامية الشاملة القارئ والقارئة (العاديَّين)؛ لذلك فإن القراءة التي سنقدمها لهؤلاء المستهدفين في العالم العربي والإسلامي هي أننا نقدم لهم قراءة محتوى؛ إذ سيجد القارئ النص المكتوب، والمقطع الصوتي، والصورة، والمشهد، وغيرها مما يمكن توفيره عبر شبكة الإنترنت، وذلك في تنوع شمولي، يستهدف عموم القراء، ومن ثم فإن هؤلاء المستهدفين هم الداعمون لنا أيضًا على مختلف الصعد من حكومات ومؤسسات وهيئات؛ لكوننا نقدم لهم مشروعًا خيريًّا بموضوعية وتجرد، غايته خدمة الإسلام.
* متى بدأتم الشروع في التحضير لهذا المشروع العربي الإسلامي العالمي؟
بدأنا الشروع في الإعداد لهذه الموسوعة منذ الإعلان عن فكرتها في الثالث من شهر رمضان لعام ست وثلاثين وأربع مئة وألف للهجرة، من مكة المكرمة. وخلال السنوات الأربع الماضية شهدت بدايات العمل من قِبل الفريق المؤسس الدراسة بتعمق فكرة الموسوعة، والجدوى من إخراجها بوصفها مشروعًا موسوعيًّا. وخلال السنوات الماضية التي تلت الإعلان عن المشروع كان اهتمامنا مركزًا على الجوانب التأسيسية، وأبعاده الإدارية والمالية والعلمية، والتأسيس لما يتطلبه المشروع من لجان تحرير وفحص وتوثيق؛ لتتحول هذه الموسوعة إلى بيت خبرة، نستثمر فيه طاقات الشباب في العديد من المجالات الإنتاجية البرامجية لمحتوى الموسوعة.
* زرتم خلال مرحلة التأسيس العديد من الدول العربية والإسلامية، فكيف استقرأتم فكرة مشروع موسوعة إسلامية شاملة من خلال تلك الدول؟
مع فريق التأسيس الذي يضم في عضويته كلاً من: الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بن جميل قصاص الأستاذ بجامعة أم القرى، والدكتور علي بن عبد الله العتيبي أستاذ التخطيط الاستراتيجي، والدكتور صالح بن عبد الله الحساب الغامدي أستاذ الثقافة بجامعة أم القرى، والأستاذ صادق النور الأمين العام للموسوعة، قمنا بزيارات لمراكز تصدر موسوعات في هولندا، والكويت، وباكستان، وتونس، والمغرب ومصر. واطلعنا خلال تلك الزيارات عن كثب على التجارب الموسوعية. وكلما زرنا دولة وجدنا الترحيب والتفاعل مع المشروع، والشد على أيدينا لأن الحاجة قائمة إلى موسوعة إسلامية؛ إذ كنا نتوقع ولو من شخصية واحدة أن تقول لنا إننا مسبوقون، أو أخرى تقلل من جدوى المشروع، أو أقل تفاعلاً، إلا أننا وجدنا من كل البلدان التي زرناها التشديد على أهمية المشروع، والتفاعل معه، والتشجيع على الشروع في الموسوعة الإسلامية.
* بما أن المرحلة التأسيسية تهيئ لبنى تحتية نظرية علميًّا ومنهجيًّا لهذا المشروع لوضع لبنات أساسه، ولرسم ملامحه الرئيسة، فليتكم تصفون بعضًا من هذه الملامح التي تُظهر لنا البُعد العالمي في هذه الموسوعة.
خلال مرحلة التأسيس عقدنا ورشتَي عمل متفرقتَين، تم خلالهما استضافة (83) شخصية من الشخصيات ذات التجارب والصلة العملية بالأعمال الموسوعية، وتبادلنا معهم تجارب الأفكار، ومختلف تجاربهم فيما يخص خطط إنتاج الموسوعات. وشرعنا بداية هذا العام العمل في تنفيذ هذه الموسوعة «الشاملة»، التي ستتجاوز موضوعاتها (المداخل) ما يزيد على (20000) عشرين ألف مدخل، ومن ثم ستكون انطلاقتها إلكترونية، وباللغتين العربية والإنجليزية. وأوضح د. النملة في هذا السياق أن ما يتم الانتهاء من إنجازه من مداخل الموسوعة سيتم تحميله على موقع الموسوعة على شبكة الإنترنت عبر المنصات المتعددة التي تم إنشاؤها إلكترونيًّا، ومن ثم التوسع في لغات الموسوعة، بما في ذلك اللغات الشرقية، وفي مقدمتها - على سبيل المثال لا الحصر - الصينية، اليابانية، الكورية، الأردية، إضافة إلى اللغات الأوروبية، ومنها أيضا الإسبانية والألمانية، وغيرها من اللغات العالمية.
* الأعمال الموسوعية الشاملة «المستدامة» أعمال أممية كبرى إلا أنها عادة ما تكون محفوفة بتحديات أكبر، فكيف واجهتم وستواجهون تحديات مشروع من هذا المستوى؟
التحديات أمام عمل موسوعي شامل كثيرة وكبيرة جدًّا إلا أننا - بمشيئة الله سبحانه وتعالى - سنوفَّق بتوفيق من الله، ثم بدعم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله -، وبمساهمة المعنيين بالشأن الثقافي والعلمي في المملكة العربية السعودية خاصة، وفي العالم العربي والإسلامي بوجه عام؛ لأن الموسوعة تستهدف العالم الإسلامي عمومًا؛ وبالتالي ليست الموسوعة مقصورة على المملكة لكونها موسوعة شاملة إلا أن المملكة - كما عودتنا - تحتضن الفعاليات الثقافية (بعيدة المدى)؛ لكونها موطن الحرمين الشريفين.
* بما أنكم أشرعتم أبوابًا عملية لهذا المشروع، فماذا عن الخطط الاستراتيجية؟ وما الجهة التي ستتابع تنفيذها؟
بدأنا الشروع (عمليًّا) قبل أيام في تنفيذ الخطة الاستراتيجية لمشروع الموسوعة، وذلك لمدة خمس سنوات، ومن ثم تلحق بها خطط مستقبلية؛ لأننا أمام موسوعة (مفتوحة النهاية)، بمعنى أنها لن تتوقف عند حدود مضمون معين، أو مدة زمنية معينة، أو أن تنتهي عند مستوى طباعة أجزاء الموسوعة، بل سيظل إنتاجها مستمرًّا من خلال «دار الموسوعة»، التي ستستمر في تنفيذ الأهداف لمشروع الموسوعة، بوصفها (بيت الخبرة) الذي سيعمل بشكل مستمر على إنتاج هذه الموسوعة؛ لتصبح دار الموسوعة بيت خبرة لإنتاج الموسوعات الموضوعية أو الشاملة؛ وهو ما سيجعل من عمل دار الموسوعة عملاً مستدامًا ومستمرًّا في إنتاج الأعمال الموسوعية؛ وبالتالي فإن دار الموسوعة ستستفيد من كل التجارب الموسوعية، ولن تستغني عن الرؤى العالمية الرائدة في مجالها، مع الأخذ في الحسبان البُعد السيادي للمملكة العربية السعودية.
* ماذا عن آلاف المداخل الموسوعية (الشاملة) أمام عامل الزمن؟
جميع ما يتم إنتاجه من مداخل سيخضع إلى عمليات مراجعة دقيقة من التصحيح والمراجعة والتمحيص العلمي، والتنقيح، والتحكيم؛ ما يجعل من العمل على إنتاج الموسوعة عملاً متأنيًا، تبعًا لما يتم من عمليات متعددة على إنتاج هذا المحتوى الموسوعي الشامل؛ وهو ما يجعلنا أمام عامل الزمن، نعمل بطريقة مختلفة؛ لكوننا نعمل على إنجاز عمل شامل، له آليات كثيرة، ولسنا مستقبلاً أمام وقت محدد للتوقُّف عنده.
* أنجز العقل العالمي تجارب موسوعية، شكلت (نماذج) للعمل الموسوعي، فبمَ يحدثنا معاليكم حول استقراء التجربة العالمية الموسوعية؟
لو أخذنا من التجارب العالمية «الموسوعة البريطانية»، بوصفها واحد من أبرز النماذج الموسوعية عالميًّا، سنجد أنها احتفلت قبل أيام بمرور (250) عامًا على إنشائها. وللقارئ أن يلاحظ في هذا المثال أننا نتحدث عن تجربة موسوعية مستمرة لقرنين ونصف القرن. أيضًا إذا ما تحدثنا عن مثال آخر سنجد - على سبيل المثال لا الحصر - مؤسسة «بيرن» الهولندية التي قمنا أيضًا بزيارتها ضمن الهيئات والمراكز التي قمنا بزيارتها. وسنجد أن هذه المؤسسة بدأت عملها في الموسوعة (موسوعة الإسلام)، وسنجد أنها بدأت العمل على إنتاج هذه الموسوعة سنة 1895م؛ وهو ما يعني أننا أمام تجارب لمشاريع بعيدة المدى.
* كما تعلمون المشاريع (المستدامة) بحاجة إلى «شراكات»، تسهم معها عبر المستقبل، خاصة أن «الموسوعة الإسلامية» أهلية وخيرية؛ ما يتطلب إسهام الشركاء معكم في هذا المشروع من منطلق «المسؤولية المجتمعية» الملقاة على عواتق القطاعين العام والخاص، وفي المملكة تحديدًا.. فما رسالتكم لهم؟
دائمًا ما نجد في بلادنا من رجال الأعمال من هم في مقدمة الداعمين للأعمال الخيرية، وسنجد - بعون الله - من رجال الأعمال داعمين من قبيل إيمانهم بالمسؤولية المجتمعية. وفي الجامعات هناك برامج شراكات، نتوقع منهم أيضًا الدعم والمساندة، إلى جانب هيئات أخرى كالأوقاف، وكوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، ومنها - أيضًا - وزارة الثقافة بوصفها الجهة المعنية بنشاطنا الخيري هذا، وغيرها من الوزارات والهيئات التي لا يمكن حصرها في هذا المقام.
* أنجزتم مرحلة التأسيس، وأشرعتم قبل أيام الأبواب للمرحلة العملية، فبم تصفون في ختام هذا الحوار بإيجاز هاتين المرحلتين لمراحل مستقبلية تتابع إنجاز الموسوعة الإسلامية؟
نحن المؤسسين لدينا همة وعزيمة ورؤية وتفاؤل، ثقة في الله، ثم فيما نجده من دعم ومؤازرة. ولدينا الثقة بعد عمر طويل وعمل صالح - بمشيئة الله - عبر هذه الموسوعة أن هناك من سيخلفنا في مراحل قادمة من هذا المشروع الموسوعي لإكماله بعزم وإخلاص وتفانٍ؛ لأننا أمام عمل شمولي بعيد المدى، ستظل مراحل إنجازه متوالية، وتأتي تبعًا - بمشيئة الله سبحانه وتعالى - لمواصلة إنجاز مسيرة هذا العمل الإسلامي الشامل الدائم المستمر.