د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
عرفنا في عقود التعليم الأخيرة إجراءً مثيرًا للجدل، هو [تعليق الدراسة] لدواعي حماية الطلاب من زخات المطر! وحمايتهم من أحوال الطقس الطارئة الأخرى؛ أو كما أطلقوا عليه في نصوص التنظيم من «أجل الاحتراز من سوء الأحوال الجوية»، التي دائمًا ما تتوسد الأمطار عروضها؛ وأصبح المطر طارقًا تُغلق دونه نوافذ الخصب والنماء المعرفي خلاف ما هو معتاد من أمنيات الناس حوله، قال تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (5) سورة الحج.
وتعليق الدراسة مستراد أمني له قراراته ودوائره المختصة، ولكن وزارة التعليم أمسكتْ بزمامه وجعلت لها شؤونًا فيه!؟ فولَّدَ تكرار تعليق الدراسة روحًا نافرة عندما توالت أنباء تعليق الدراسة منذ سنوات في مثل هذه الظروف والأوقات؛ فأصبح رواد المدارس يتحسسون مساقط الغيث ليرصدوا التوقعات كما رصدها غيرهم، كما أن الأنباء رصدتْ خواء المدارس من قليل المعرفة وكثيرها لأزمنة تطول وتقصر؛ وكأن ذلك التوقف سياسة تفردت بها فلسفتنا التعليمية تجاه محددات ومنطلقات تنفيذ عمليات التعليم والتعلم, كما أن اختزال وقت التدريس ثلم في مستوياته التي تبُنى عليها محتويات المعرفة المكوّنة للحصيلة لدى الطلاب...
وكم كانت تلك الأزمنة والمواقف محتاجة للقرار التربوي المتين الذي يعالج الموضوع من جوانبه الأهم، فالطقس وتقلباته من مشتركاتنا مع العالم وليس خصيصة وضعها الله سبحانه وتعالى في بلادنا فحسب؛ كما أن اتساع رقعة بلادنا وتنوع تضاريسها جانب آخر كان يجب أن يتصدر فحص القرارات التنظيمية التي ملأت السهل والجبل حول قضية تقلبات الطقس وإغلاق المدارس وما زلنا [نعود من سلمى بغير متاع]،،، ولن أسترسل فيما خسرتْ المعرفة، وما توارى من هيبة المدارس جراء تكرار إيقاف الدراسة فيما مضى من أوقاتنا؛ حتى أصبح تعليق الدراسة واختزال أوقات التدريس حليفًا قويًا لثقافة الهروب من المدارس التي هي حتمًا نتيجة في مقامها الأول للرغبة في النأي عن ذلك المحيط, والبحث عن أسباب مشرّعة لذلك فقد كانت تأتي قرارات تعليق الدراسة صانعًا ومكافئًا لكل هذا؛ ونتساءل كيف يسعى القائمون على صناعة المناهج إلى مستويات من التوسع تستهدف حشد المهارات والتطبيقات التي يجب أن ينفذها الطلاب عندما ينجزون تعلم المادة الدراسية في مستويات التأسيس الأولى؟!! وهنا أكاد أربط بين توالي إجراء تعليق الدراسة والاحتفاء بها قرارًا ونتيجة وبين غياب النمذجة القدوة؛ والواقع أنه لم تُسجل أي انهيارات لمبانٍ قائمة! ولعلنا لا نكون مبالغين بأن الناس يبصرون ببصائرهم لا بمشاعرهم..
ولقد أدركت وزارة التعليم أن الواقع يريد تسوية وصلحًا بين تلك القرارات وبين متطلبات التعلم؛ ولا بد للقرارات أن تقف بصلابة على تخوم الواقع, والوقائع؛ وأن نتحول من الرأي الجاف إلى الرؤية النافذة حين يكون النظام صالحًا, فتعليق الدراسة شأن أمني وطني هدفه سامٍ وأثير وهو حماية الأرواح لما قد تسببه أحوال الطقس الطارئة من مخاطر؛ وأدركت وزارة التعليم أن ذلكم شأن يرتبط بإدارات التعليم؛ وفوَّض معالي الوزير ذلك القرار إليهم فاستصدرت الوزارة القرار بشيء من تفصيلات التنفيذ؛ ومنها تشكيل لجان في إدارات التعليم من الجهات المعنية لبناء قرارات تعليق الدراسة استنادًا إلى المعطيات المحيطة، والقرار جدير لافت اعتمد تحديد مواقع الخطورة مُسْتَنَدًا للإجراء؛ وحتى لا تتذبذب القرارات وحتى تكون قرارات تعليق الدراسة مبنية على معلومات علمية مدروسة يجب أن تنظر اللجان المشكلة من زاويا كبيرة تتكئ على البعد الجغرافي للموقع أولاً، والبعد المناخي ثانيًا الذي يحتم تواصل الأرصاد مع إدارة التعليم، ومثاله المدارس في الأودية وفي منحدرات الجبال فتلك حتمًا في النطاقات الموجبة لتعليق الدراسة وفقًا للبعدين الأول والثاني؛ ومن اقتناص الإمكانات والفرص المشرقة في بلادنا والتي بلغنا فيها شأنًا عاليًا نأمل أن يتم اعتماد بعد ثالث يحقق جودة التنفيذ، وذلك باستحداث نظام تقني سريع قائم على تلك الأبعاد وما ينتج عن أعمال اللجان الموكل إليها النظر في التعليق حتى يكون النظام التقني مطمئنًا لأولياء الأمور ومرشدًا للطلاب وداعمًا للقرار التنظيمي التربوي ومحققًا لسرعة القرارات وقوتها والثقة في مصادرها بناء على المعطيات الممنهجة علميًا من خلال الأرصاد وأحوال المناخ والمواقع، بمعنى أن تكون هناك مؤشرات عبر صفحة رقمية تشير وتحدد وتصنف مواقع الخطر والمواقع الآمنة في المنشآت التعليمية في أزمنة تقلبات الطقس والأمطار يُمَكّن منها كل المعنيين بالتعليم والتعلم، مثل للتأمل، «الغائبون دائمًا على خطأ».