د. أحمد الفراج
تساءلت في المقال الماضي عما إن كان الأمر سينتهي عند استهداف أمريكا لقاسم سليماني، ورد إيران الذي بدا وكأنه عرض مسرحي متفق عليه، أم إن للقصة بقية. وبداية، فإن معظم التقارير تشير إلى أن الأمور لا تسير كما ينبغي في إيران؛ فبعدما قيل إن مقتل سليماني وحَّد الشعب الإيراني خلف قيادته شاهدنا مظاهرات عارمة احتجاجًا على قمع الحرس الثوري؛ وهو ما يعني أن نظريات النظام، التي تؤكد أن الشعب يتوحد خلف القيادة عندما تتعرض البلاد لهجوم خارجي، ليست دقيقة؛ فمثل هذه الألاعيب لم تعد تنطلي على الإيرانيين الذين ذاقوا الأمرّين من جراء سياسات النظام التوسعية التي تنفق معظم أموال البلاد على ميليشيات خارجية على حساب تنمية البلاد، ورفاهية الشعب. ومن المسلَّم به أن نظام طهران استلم مئات المليارات من إدارة باراك أوباما بعد توقيع الاتفاق النووي، ثم استخدمها في تنفيذ سياساته العبثية التوسعية في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
المسؤولون الإيرانيون أكدوا بشكل مبالَغ فيه أنهم لا يرغبون في التصعيد مع أمريكا، وكانت تغريدة وزير الخارجية جواد ظريف واضحة بهذا الخصوص، ولكن لا يجب على دول الجوار أن تصدق ذلك؛ فنظام الملالي نظام فاشي مؤدلج، ويعتبر التوسع ودعم الجماعات المسلحة خارج إيران عقيدة نص عليها الدستور؛ وبالتالي فإننا نعتقد أن إيران لا يمكن أن تتخلى عن أطماعها. وعندما قال مسؤولو إيران إنهم لا يرغبون في التصعيد فإنهم يقصدون أنهم لا يرغبون في قيام حرب شاملة، تدخل إيران طرفًا فيها بشكل مباشر؛ وبالتالي فإن المتوقع هو أن توكل إيران مسألة الثأر لمقتل سليماني لميليشياتها، مثل حزب الله اللبناني، ونظيره العراقي، وتنظيم الحوثي، والحشد الشعبي في العراق، الذين قد ينفذون أعمالاً إرهابية في دول الجوار، ثم تتنصل إيران منها، كما تنصلت من مسؤولية الهجوم على منشآت النفط السعودية؛ لذا فإنه يتوجب على دول الخليج أن تكون في منتهى الحذر في قادم الأيام؛ فخسارة إيران بمقتل سليماني جسيمة، والنظام لم يؤمن يومًا بالسلام، بل بالهيمنة عن طريق التنظيمات المسلحة الإرهابية!