عبده الأسمري
نسمع كثيرًا عن التزوير والتزييف في «أمور» المال والتجارة والاقتصاد والشهادات وغيرها، التي تقع عقوباتها تحت لوائح النظام، وتخضع للمراقبة والتنظيم، ولكننا لم نقارنه «يومًا» بالجرم ذاته في سلوكيات وتصرفات الإنسان؛ فالجريمة من صناعته، ولكن الاختلاف يكمن في أنه بالأولى «زوّر» المحررات الرسمية أو الأوراق النقدية لتنفيذ أهدافه متجاوزًا القانون، أما في الثانية فقد زيف عمله وأفعاله مع بني جنسه؛ ليكون «الجرم» أدهى وأمرّ متجاوزًا حدود الدين والعقل والمنطق.
بيننا حالات «أزلية» من هذا الزيف والتزييف، تغمر التعاملات، وتعتمر المعاملات تحت إطار «إنسانية وهمية»، تلحفت بالاسم، وتجاهلت المعنى.. فجاء الاحتيال بصناعة «بشرية»، وطغى التحايل بصياغة «ذاتية»؛ لينثر «سواد» السوء على صفحات «السواء».
منذ زمن أحاط «الحذر» بالتعامل من جهاته الأربع بانيًا «سياجات» الخوف، واضعًا جدران «التوجس»، ماضيًا بالتواصل الإنساني المفترض إلى مفترق «خطر»، يضع الامتناع عنوانًا للسير، والتجاهل علامة للتوقف.
نعاني من موجة «تزييف» اجتماعي، صنعت «الغدر» في صور مشكلة، بدأت رسم خطوطها «الماكرة» فوق أرضية «العفوية»، ونسجت «خيوطها» الباكرة على واقعية «البراءة»؛ لتأتي النتائج المؤلمة مشبعة بالخذلان والنكران.
صنعت المصالح الشخصية «فرقًا» سرية من الماكرين الذين تسلحوا بالخداع، وتمرسوا على «الخديعة»، وشربوا من وحل «اللؤم»؛ لينسجوا «حيل» الإيقاع بالضحايا بأدوات «المكر والسوء والاستغلال والانتحال»؛ ليصلوا إلى «مآرب» الذاتية على حساب «الآخرين» متجاهلين أقل درجات «المنطقية»، ومتغافلين أدنى مراتب «الآدمية».
بيننا جاحدون، وحاسدون، وحاقدون.. يشكِّلون «ثالوث» الزيف الإنساني بأقنعتهم الزائفة، ووجوههم المتلونة.. بدؤوا كأفراد، وضموا إلى معسكراتهم «كتائب» من الصاغرين أدبًا، والخادعين أسلوبًا؛ ليحولوا «الحياة» إلى معارك خاصة، وجبهات مختصة، نثرت «الرماد»، ونشرت «الكساد» في وجه «التعايش».
تحاصر «السوءات» «عقر» الاستقرار، وتخنق «العبرات «مقر» السكينة؛ فتتعالى أصوات الاستهجان، وتصدح أصداء الشجب من «أنفس» مطمئنة، اعتادت «الطمأنينة» في مرابع «التقوى»، وتشربت «الروحانية» من منابع التقى بعد أن قيدت «الأخطاء» ضد «أناس»، ووجهت الإدانة نحو «بشر»، كانوا مفوضين للسلبيات، وممثلين للمساوئ.
يحضر التزييف الاجتماعي بردائه المقيت في «مخاطر» تقتحم «المنطق»؛ لتشوب صوت «الصح»، وتشوه صدى «الحق» منددة بآلام جديدة، ومهددة بأحزان متجددة.. جاءت في «صدمة» نفسية، أو حلت في «إساءة» اجتماعية، صنعت «الأذى»، وصاغت «الإيذاء»؛ لتضم «ضحايا جددًا» إلى «معسكر» المعارك المجتمعية. ترتفع مستوى «الصدمات» عندما تكون «فجائية» أو «غير متوقعة»؛ إذ تطل «قوية»، وتحل «صادمة» بعد خروجها من «فوهة» التربُّص، وانطلاقها من «شرك» الاصطياد؛ لتنال «العفويين» في مقتل «الثقة»، وتهاجم «الصادقين» في معقل «حُسْن الظن».
يتجرد «المسكون» بالسوء من معالم الإنسان، ويتمرد «المسجون» في الأنا على مسلَّمات «الفطرة»؛ لتتشكل «خارطة بائسة» من التزييف الحياتي الذي يدان به كل من خرج من دائرة «الأخلاق»؛ ليمارس أدوارًا مركبة، تعتمد على الحيل المصطنعة، وتتشبث بالوسائل الخفية وصولاً إلى الغايات المشبوهة.
ميزان الحياة يتأرجح بين «فئات» مسالمة بريئة أصحاب «نوايا» بيضاء وقلوب «نقية» وأنفس «تقية» وأرواح «وفية»، وأخرى مدانة محاربة، ارتمت في الخطايا بحق الآخرين، موبوءة بالنرجسية المفرطة، والذهنية المريضة؛ ليحدث «الصراع» بين «باحثين» عن السلام، ومحاربين للوئام في «قطبية» بين طرفَي «الخير والشر». الإنسانية «مفهوم» عظيم، لا يقبل «الزيف» في الحياة، ولا «التزييف» وسط المجتمع، ويمقت كل «فعل» مضاد للصفاء، ويرفض كل «عمل» معاكس للنقاء.. ينطلق من «عمق» إحساس وشعور بالبشر كخلايا جسد «واحد» إلى «أفق» حس واستشعار بالغير ككيان «متحد»، ينعم بالتعاون، ويرتقي بالتعاضد، ويسمو بالصدق، ويعلو بالوفاء.