فضل بن سعد البوعينين
يبدو أن تحديات الاستثمار في الجبيل الصناعية أثَّرت سلبًا على جاذبيتها، ورفعت من حجم مخاطر القطاع الخاص في حال توقيعه عقود استثمار مع الهيئة الملكية بالجبيل. تفاقُم مشكلة الاستثمار الخاص هو ما دفع مجلس الشورى لمناقشتها، ومطالبة الهيئة الملكية بالجبيل بـ»دراسة أسباب انخفاض استثمارات القطاع الخاص، والعمل على معالجتها وتفاديها مستقبلاً». كان من الممكن معالجة تحديات القطاع الخاص في محيط الهيئة، خاصة أنها طفت على السطح خلال السنوات الخمس الماضية دون أن تجد من يبادر لمعالجتها أو حتى تقريب وجهات النظر بين الهيئة والمستثمرين.
وبالرغم من أهمية تعظيم إيرادات الهيئة إلا أن من الواجب الأخذ في الاعتبار تحقيق التوازن الأمثل في العلاقة مع المستثمرين، ومنطقية التسعير، وبما لا يضر بالمستثمرين الذين ارتبطوا مع الهيئة بعقود طويلة الأجل.
كنت أرجو أن يصدر عن مجلس الشورى الموقر قرار، يسهم في إعادة تشكيل رؤية إدارة الهيئة الملكية لمنظومة استثمارات القطاع الخاص، ومعالجة المشكلة الظاهرة، بدلاً من توصية الدراسة.
وبعيدًا عن «توصية الدراسة» فيمكنني إيجاز بعض التحديات المتسببة في انخفاض استثمارات القطاع الخاص في الجبيل الصناعية، منها: ارتفاع التكاليف المرتبطة بالمواصفات المفروضة من قِبل الهيئة. الأكيد أن رفع معايير الاستثمار ومواصفات الإنشاء أمرٌ مهم؛ ويجب أن يكون قاعدة للجميع، إلا أن الموازنة بين تلك المتطلبات المكلفة، والتسعير، ومدة التأجير وأفضلية التمديد عند انتهاء العقد، يجب أن تكون حاضرة. فالمستثمر يبحث عن الربح، وتحقيق عوائد مجزية لاستثماراته، ومن الطبيعي أن تكون لديه بدائل استثمارية أخرى للمقارنة.
وفي النهاية يؤثر العائد على قرار المستثمر الحذق الذي يبني علاقاته وعقوده على حجم العائد، لا موقع الاستثمار. أعتقد أن الهيئة الملكية تفتقد المعرفة بفلسفة الاستثمار وطبيعة المستثمرين؛ وهو ما يجعلها تتعامل معهم بتعالٍ، وكأنهم المحتاجون لخدماتها! هناك زعماء دول ورؤساء حكومات يجوبون العالم من أجل كسب رضا المستثمرين، وتحفيزهم على ضخ استثماراتهم المنعشة للاقتصاد. وهو أمر يفترض أن تتقمصه الهيئة بدلاً من تقمُّص شخصية المدير الآمر المطاع.
تجربة المستثمرين الأوائل، ممن كان لهم دور رئيس في إنعاش مدينة الجبيل الصناعية، غير الجيدة مع الهيئة من أسباب العزوف أيضًا؛ فبعضهم خسر أصوله التي بناها واستثمر فيها مبالغ طائلة بسبب رفع قيمة الإيجارات بشكل مفرط، وبنسب تتجاوز حد المعقول. إضافة إلى دخول الهيئة في قضايا قانونية مع المستثمرين لأسباب مالية مرتبطة بآلية التأجير ومضاعفة الإيجارات، وتفسير بعض المواد الغامضة في العقود.
وبالرغم من انضباطية الهيئة، وأدائها الإداري المتميز، إلا أن البيروقراطية الاستثمارية تبدو واضحة في بعض تعاملاتها، إضافة إلى العراقيل التي يجدها المستثمرون بعد توقيعهم العقود، وتنفيذهم مشاريعهم؛ وهو ما يتسبب في تعطيلها، وزيادة تكاليف الإنشاء.
أختم بالتشديد على أهمية الدراسات والمراجعات الدقيقة لمنظومة الاستثمار، ولو كان لي من الأمر شيء لأوصيت بعقد ورش عمل مع المستثمرين المتضررين للحصول على البيانات الدقيقة التي يمكن من خلالها معالجة التحديات المتسببة في انخفاض استثمارات القطاع الخاص في أجمل المدن السعودية وأكثرها جاهزية من حيث البنى التحتية والجاذبية الاستثمارية.