محمد بن إبراهيم الحسين
الزبير مدينة عراقية، تقع جنوب العراق بالقرب من البصرة، وهي كيان نجدي مستقل في العراق، أسسها مهاجرون من أصول نجدية؛ إذ هاجر العديد من أهالي نجد قبل نحو 400 عام، وأسسوا إمارة أو مشيخة نجدية مستقلة، أسموها مدينة الزبير نسبة إلى الصحابي الزبير بن العوام - رضي الله عنه - الذي يوجد قبره في ذلك الموقع. سُميت مناطق الزبير على أسماء الأسر النجدية التي أسستها، ومنها: «منطقة الراشدية» نسبة إلى أسرة الراشد، و»منطقة الزهيرية» نسبة إلى أسرة الزهير، و»منطقة السلمانية» نسبة إلى الشيخ/ سلمان البراهيم، وعدد من البيوت التي ما زالت شامخة، مثل: «بيت المنديل» و»بيت الذكير» و»بيت البسام»، و»مسجد وجامع النجادا» و»مسجد وجامع الزهيرية»، وغيرها العديد من المناطق والمنازل والمزارع التي سُميت على أسماء الأسر والشخصيات النجدية التي أسست مدينة الزبير المميزة، وصنعت تاريخها الخاص، وكونت شخصيتها المستقلة. ورغم أن المهاجرين النجديين أتوا للعراق مزارعين بسطاء إلا أنهم خلال فترة وجيزة أصبحوا من كبار التجار؛ إذ وصلت تجارتهم إلى الهند، وكانت قوافلهم التجارية تحمل البضائع من العراق إلى الشام في قوافل يبلغ عدد بعضها خمسة آلاف جمل. كما أصبح أهالي الزبير النجديين من كبار مُلاك الأراضي والمزارع في العراق، والبصرة تحديدًا؛ إذ يمتلك الشيخ/ فهد الراشد مزرعة تحتوي على أكثر من 7 آلاف نخلة، كما يمتلك الشيخ/ يوسف الزهير مساحات شاسعة من الأراضي، والعديد من المزارع والنخيل في البصرة وعموم العراق. وهناك المئات من أهالي الزبير النجديين الذين يمتلكون الأراضي والمزارع والنخيل في العراق. ولما اتسعت بلدة الزبير، وكثر سكانها من مهاجري بلاد نجد، أصبح لها كيان وعلاقات تجارية مع الكثير من البلدان؛ فسيّروا القوافل التجارية إلى أنحاء العراق والشام وتركيا وأوروبا وبلادهم (نجد)، وسيّروا السفن التجارية إلى بلدان الخليج والهند وعدن وسواحل إفريقيا والصين وأمريكا، وأقاموا لهم في كثير من البلدان بيوت تجارية مشهورة، كما أصبحوا وكلاء لتجارها وشركاتها، وأصبحت بلدة الزبير محط القوافل التجارية والبريدية ومكاتب الرسوم الجمركية. وأسهم أهالي الزبير النجديون في نهضة العراق العلمية والتنموية، كما أسهموا كذلك في نهضة جميع دول الخليج؛ فأول مدرسة نظامية في الزبير «مدرسة دويحس» التي سُميت بذلك الاسم نسبة إلى مؤسسها المحسن الشيخ/ دويحس بن عبدالله بنماس من عشيرة آل شماس الوداعين الدواسر من أهالي محافظة الشماسية في منطقة القصيم بإقليم نجد. تأسست المدرسة في القرن الحادي عشر الهجري، وأوقف عليها مؤسسها وقفًا من النخيل فاستقامت أكثر من ثلاثة قرون، وتخرَّج منها طائفة من العلماء. وتُعتبر مدرسة الدويحس في أواخر القرن التاسع عشر من أول وأبرز وأشهر المدارس العلمية في العراق، وسابع مدرسة على مستوى العالم الإسلامي من حيث جودة التعليم. كما أن أول مدرسة افتُتحت في الإمارات «المدرسة الأحمدية»، وهي أول مدرسة نظامية أسست في دبي عام 1912م، وتولى إدارتها مدير من أهالي الزبير المنحدرين من أصول نجدية، وقام بالتدريس فيها نخبة من خيرة المدرسين من منطقتَي الأحساء والزبير الذين ينحدرون من أصول نجدية من إقليم سدير في قلب نجد تحديدًا، منهم: الشيخ/ عبدالعزيز بن حمد آل مبارك وابناه عبدالله وعبداللطيف الذين تولوا تدريس تعاليم الدين الإسلامي واللغة العربية، والشيخ/ عبدالله بن عبدالوهاب الوهيب، والشيخ/ أحمد العرفج، والشيخ/ ناصر المنصور، والشيخ/ يوسف الجامع.
وفي المجالات التنموية والسياسية برز عدد من القامات من أهالي الزبير من ذوي الأصول النجدية، منهم الشيخ الوزير/ عبد اللطيف «باشا» بن إبراهيم المنديل من أسرة الفوزان البدارين الدواسر التي رحلت من مدينة جلاجل بإقليم سدير في قلب منطقة نجد، واستقرت في الزبير، ونزح والده من سدير إلى الزبير في عام 1837م، وامتهن التجارة بين البصرة وبغداد والهند. والشيخ/ عبداللطيف المنديل هو أول وزير للتجارة في العراق؛ إذ عُيّن وزيرًا للتجارة في أول وزارة عراقية برئاسة عبدالرحمن النقيب في عام 1920م، وفي ثاني وزارة في عام 1921م، ثم عُيّن وزيرًا للأوقاف في وزارة عبدالمحسن السعدون الثانية في عام 1922م، وانتُخب لعضوية المجلس التأسيسي العراقي عام 1924م عن البصرة، ثم أصبح عضوًا في مجلس الأعيان عام 1929م، وعضوًا في مجلس ولاية البصرة وملحقاتها، ثم عضوًا في مجلس الأشراف خلال فترة الاحتلال البريطاني للعراق. ومن أهم منجزاته سعيه لتزويد مدينة البصرة بالكهرباء ومياه الشرب؛ إذ أسس في البصرة أول مشروع لإسالة المياه في العراق، وعمل على إصلاح الزراعة وتنشيط التجارة وإعمار المدينة..
من الأسر التي لها بصمات في تاريخ الزبير أسرة الزهير، وهي من أقدم الأسر التي هاجرت من بلدة حريملاء بنجد، واستوطنت في بلدة الزبير بالعراق. وأسندت الدولة العثمانية لأسرة الزهير مهمة تحصين بلدة الزبير، والمحافظة عليها من أي اعتداء خارجي. ويعتبر الشيخ/ يحيى الزهير أول أمير يتولى إمارة الزبير، وفي عهده تم بناء سور الزبير عام 1798م. وفي عام 1882م تولى الشيخ/ يوسف بن يحيى الزهير الإمارة. وأسرة الزهير من أقدم الأسر التي مارس أفرادها مهنة الصحافة في العراق وتركيا في مطلع القرن العشرين؛ إذ أسس الشيخ/ أحمد «باشا» الزهير الطبعة العربية من «جريدة الدستور» في مدينة إسطنبول بتركيا عام 1908م. وأصدر الشيخ/ عبدالله الزهير الطبعة العربية من «جريدة الدستور» العراقية في البصرة عام 1912م. وهو من رواد الصحافة الأوائل في البصرة؛ إذ اشتغل بالسياسة نائبًا عن ولاية البصرة في مجلس المبعوث العثماني، وكان عضوًا في حزب الحرية والائتلاف. وأصدر عثمان الزهير «جريدة المرقب» في بغداد عام 1923م. وأشرف سليمان الزهير على صدور الطبعة العربية من «صحيفة بصرة تايمز» التي كانت تصدر بالإنجليزية؛ إذ صدرت عام 1921م تحت اسم «الأوقات البصرية». وينسب إلى اثنين من أهل الزبير نوعان من الشعر، هما: «الزهيريات» و»اللعبونيات»؛ إذ ينسب الشعر المسمى «الزهيريات» إلى عبدالرزاق الزهير من أسرة الزهير من أهالي بلدة حريملاء بنجد. كما ينسب الشعر المسمى «اللعبونيات» إلى محمد بن لعبون من أسرة اللعبون من أهالي بلدة حرمة في إقليم سدير بنجد.
وتولى إمارة الزبير عدد من الأمراء، منهم: الشيخ/ إبراهيم الثاقب الذي بدأت فترة مشيخته بعد وفاة الشيخ/ يحيى الزهير عام 1798م، والشيخ/ محمد الثاقب، والشيخ/ يوسف الزهير، والشيخ/ ناصر الراشد، والشيخ/ أحمد المشاري، والشيخ/ علي الثاقب، والشيخ/ سليمان الزهير، والشيخ/ عبداللطيف العون، والشيخ/ إبراهيم الزهير، والشيخ/ عبدالله الراشد، والشيخ/ إبراهيم الراشد، وهو آخر أمراء الزبير، وحدثت في عهده الحرب العالمية الأولى، ووقف بالحياد بين العثمانيين والبريطانيين؛ إذ وقعت المعركة الفاصلة بين الإنجليز والعثمانيين في الزبير عام 1915م، وقُصفت مدينة الزبير بالمدفعية التركية، وانتهت المعركة بهزيمة الأتراك، وأُسِر الشيخ/ إبراهيم الراشد، وأُخذ إلى بغداد، وأُجبر على التنازل عن مشيخة الزبير، وتوفِّي عام 1925م.
لقد أثبت أهل الزبير أن النجدي بعبقريته الفذة يستطيع إثبات وجوده في أي مكان وزمان، ولديه الشجاعة للانفتاح على العالم مع احتفاظه بخصوصيته المميزة، وأنه يتميز بمواهب وملكات وسلوكيات وأخلاقيات تمكِّنه من البروز في جميع الظروف رغم قسوة الغربة، وصعوبة الحياة، وشدة المنافسة.