أ.د.عثمان بن صالح العامر
أحيانًا يرسل السياسي رسالته المبطنة من خلال موقف أو مشهد أو سلوك وتصرف، هو أعمق بكثير من نظرتنا نحن البسيطة لحركات وسكنات وإشارات ونبرات القادة الذي يصنعون الأحداث، ويتحدثون بلغة الـ(نحن) لا (الأنا) مهما كانت ملكاتنا التحليلية، وقدرتنا العقلية، وقراءتنا الاستبصارية.
سيدي.. صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد الأمين من أبرز أولئك الأفذاذ الذين شاءت إرادة الله -عز وجل- أن يصنعوا تاريخنا المعاصر، ويسطروا مجدنا الحاضر، ويكتبوا قصة الموازنات الإنسانية على الكرة الأرضية من جديد، بما أمده الله -عز وجل- من حضور ذهني متقد، وكاريزما قيادية فذة، ومهارات وقدرات ذاتية متميزة، وعلم ومعرفة ودراية متأصلة راسخة، وفي الوقت ذاته متجددة حية؛ لذا فما يصدر منه -حفظه الله ورعاه- في الغالب الأعم، حتى ولو كان في نظرنا أمرًا عاديًّا، له -حسب اعتقادي- بُعده غير المنظور الذي يحتاج من الراصدين لما يقوله ويفعله، ويأمر به ويوجِّه، إلى تفكير جاد خارج المألوف من أجل التوصل للمعنى المراد.
لقد ظل العربي محل تهكم وسخرية في الثقافة الغربية منذ ثمانينيات القرن العشرين حتى بزوغ عصر العولمة الجديد إلى اليوم؛ فهو كما تصوره الأفلام السينمائية، وتكتب عنه الأقلام الغربية، وتنظر إليه الشعوب الأوروبية والأمريكية، إنسان بدوي بسيط، متخلف حضاريًّا وعلميًّا، يعيش في الصحراء القاحلة حيث الخيمة والإبل والكلأ والماء، وليس له طريقٌ للوصول إلى المدنية والحضارة المرتجاة إلا بأخذ الثقافة الغربية كاملة غير منقوصة. وكنا حينها -وما زلنا- نشعر بالهزيمة النفسية أمام هذا المد الثقافي الجارف. نحاول تحسين صورتنا بكل ما أوتينا من قوة قولية وفعلية بعد أن كان منا التسليم المطلق لما يقال لنا، ويُكتب عنا، ويصوَّر فينا.
الأحد الماضي، وفي مراسم استقبال سيدي سمو ولي العهد لرئيس وزراء اليابان (شينزو آبي)، كانت حاضرة (الخيمة الصحراوية، والعرضة الشعبية، والملابس التراثية، والابتسامة المحمدية، والضيافة السعودية)، ومعها حضر الاعتزاز بالذات، والافتخار بالهوية، وفي مناسبة (سعودية - يابانية)، هاتان الثقافتان اللتان هما في الخط الأمامي المواجه لثقافة العولمة الغربية، التي تريد أن تلغي كل الثقافات الفرعية الهامشية -في نظرها طبعًا- مهما كان تاريخها، وتجذرها في نفوس أصحابها؛ لتبقى هي لا شيء غيرها على الكرة الأرضية.
إننا نعرف كم عانت الشخصية اليابانية -وما زالت تعاني- من الثقافات الغازية؛ الأمر الذي دفعها لتجذير الخصوصية، وتعميق الذاتية لدى أجيالها المتلاحقة؛ لذا كانت الرسالة -كما هي لمن ينظرون لثقافتنا الصحراوية بازدراء- هي كذلك لليابانيين ومَن على شاكلتهم ممن يقدسون الخصوصيات الثقافية، ويحترمون القادة والشعوب التي تفتخر بها وتفاخر. فنحن يا سيادة الرئيس ويا أيها الشعب الياباني مثلكم تمامًا، بل ربما أشد منكم محافظة على قيمنا الإسلامية، وهويتنا العربية، وشخصيتنا الوطنية. حفظ الله لنا قادتنا، وأدام عزنا، ونصر جندنا، ودمت عزيزًا يا وطني. وإلى لقاء. والسلام.