د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
جئتُ عنيزة في مهرجان الثقافة منذ قرابة العامين, وعُدتُ إليها منذ أسبوعين في مهرجان [الغضا ثقافة وفنون]؛ فوجدتُ ثباتاً على روح عنيزة ورواحها؛ وإصراراً على أن كل حراكها يسبقه وهج مجتمعي كبير تُحشدُ له الحشود الودودة؛ وبدتْ لي في [غضا عنيزة] رمال تتلألأ كما هي أحياؤها داخل المدينة, فأيقنتُ أن ذلكم شبه أصيل في إنسان عنيزة الذي صنع قواسم مشتركة بين حاضر عنيزة وما كانت عليه البيئات الصحراوية عندما تشكَّلَ شجر الغضا وسماً لمهرجانها؛ وبين المدنية الوارفة في أديم القصيم الممتد؛ وعجبي أنني وجدتُ الإنسان هناك في غضا عنيزة يحفظ مساقط شمسها؛ ويرقبُ سطوع نجومها، وهم جميعا يفهمون أبجديات التصوير النجدي للأشياء المحسوسة في تراثها, فعندما بحثنا عن أوجه الحياة الجميلة في نفود عنيزة حيث أشجار الغضا فثمة نصب تذكارية في غضا عنيزة؛ وهناك اقتراب مجتمعي ذكي يُصنع هناك؛ وهناك اصطياد ماهر للحظات البيئة؛ وهناك اقتناص للفرص والمهارات عند إنسان [عنيزة ] الذي يصدح معلنا [صُنع في عنيزة ] فأجادتْ عنيزة والإنسان هناك ترجمة عشق الأرض المنداة بنكهات الغضا وروائح اشتعالها على سطوح الرمال عندما أذكتْ وجود الفنون الفلكلورية، وأسهمت فرق الفنون الشعبية في إيقاظ الجمال فوق الرمال ! فأحدثتْ فرقاً لافتاً؛ فهناك العرضة النجدية والسامري والربابة والهجيني؛ وكان تفاعل الحضور وسماً آخر في المهرجان؛ وليست الغضا الحكاية الأولى إنما هو انصهار حديث في نسخة جديدة هذا العام تخطتْ فيه لجنة التنمية السياحية جدران الذاكرة عن ذلك النبات الصحراوي فاستفاضت غزاراً حين أقامتْ لجنة السياحة له مرآيا ذهنية دائمة؛ وحينما صاغت مصطلحاً جديداً عن السياحة الشتوية الدافئة وصورها المختلفة ونماذجها المكتنزة بالمشاهد التراثية الرائدة والمحاطة بفيض من الكرم المغدق, فأبرزتْ جسوراً متينة لصناعة مستقبل سياحي يتنامى عبر تشكيلات جديرة بالتأمل, وأعدتْ لذوي الطاقات الثمينة متكآت؛ ليُحدثوا فرقاً في مستراد السياحة المحلية, ولذوي الفكر المجتمعي الشعبي ما يرفد المواهب، ويدعم النتاج ونشره وعرضه واستشراف مستقبله؛ وكان هناك تثاقف تراثي أدبي فكانت مصر الشقيقة تحمله ضيفة على أرض عنيزة لتهمس للغضا وزواره عن تنوع آخر في أرض الكنانة حينما تدندن على أوتار تراثها فينسكب في الآذان علائق متجذرة بين البلدين الشقيقين, وهناك قبسات من نار القِرى توهجت من منطقة حائلي تضاعيف الرمال لتؤكد بوجودها المتوهج في الغضا التواشج بين مدن بلادنا والتشابه في لوحات تراثها, وما زال رهان بلادنا على السياحة يرتكز على مقومات متأصلة تمتْ أنسنتها في الغضا وسواه؛ ودخلت ْمنافسة كبيرة مع قنواتها, وتحدياً كبيراً لأحلامنا البيضاء التي بدتْ رؤيا حق وحقيقة!!
وما زال غضا عنيزة حالة فريدة جديرة بالوقوف والحديث عنها, وهي تمتطي صهوة العاديات، وتنسج التراث الشعبي المجتمعي فوق الرمال وتصهر مميزات الإنسان في ذلك المكان إلى مميزات تصاغ وتعمل، يؤازرها قوة فاعلة في القيادة الحكومية هناك، يتصدرها صاحب السمو الملكي أمير منطقة القصيم الأمير المحفز. وسعادة محافظ عنيزة رئيس لجنة التنمية السياحية وأمين اللجنة ورجالها ونساؤها المخلصون وقد ظهروا في عمق المهرجان يحملون دلالات البذل, وجذوة العمل الممتد الجاد لإنجاحه, وكل الزائرين لغضا عنيزة وضيوفها سوف يسردون كل المشاهد اللافتة في وضح النهار وتعاليل ليل الغضا التي لم تنطفئ نيرانها,،، وتظل عنيزة محافظة يختصر تاريخها صفحات البذل من أجلها؛ وتبقى كغيث مستديم منهمر في آفاق منطقة القصيم, فقد كان الغضا إرثاً بيئياً تراثياً عريقاً وفعاليات المهرجان بكل أشكالها استخلصته لتعرضه في الحاضر بشيء من متانة المستقبل وتقنياته؛ فالغضا مكان يفيض منه حراك مختلف في نسخته وتكوينه, تنبئ صفحاته عما يعنيه التراث الممزوج بالإنتاج المجتمعي؛ وأحسبُ أن هناك عملاً جاداً لتسهيل دخول العصر الحديث لمرباع الغضا الجميل,،،،،
وفي لحظاتي الفاخرة في عُنيزة, وفي مستراد الغضا الرملي أحسبني أوجزتُ وإلا فالمهرجانُ أعلام وإعلام يصدح خلاله صوت الغضا ذلك النبات الصحراوي الذي كتب [عنيزة] قصيدة فوق رماله,،،،