محمد سليمان العنقري
خلال افتتاحه للنسخة الثانية عشرة للمؤتمر الدولي لتقنية البترول الذي يُعقد للمرة الأولى بالمملكة، قال الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة «إن ما يهم السعودية بصفتها منتجًا للنفط على المدى البعيد، إيجاد أسواق مستقرة ومستدامة تمكنها من تعزيز دخلها على المدى الطويل. وإن استقرار الأسعار مهمة كل وزير نفط سعودي سابقاً وحالياً ومستقبلاً، وليست هناك رغبة في أسعار مرتفعة أو منخفضة، حيث لا يعنينا ارتفاع الأسعار المؤقت، ولا نفرح بها كثيرًا، كما أن انخفاض أسعار النفط يعد عائقًا كبيرًا أمام شركات النفط ويلحق ضررًا مستمرًا بالقطاع».
إن هذا التصريح يوضح رؤية المملكة ودورها الإيجابي بأسواق الطاقة عالمياً فالاستقرار المنشود هو أن لا يحدث شح أو فائض كبير بالعرض يشكِّل عاملاً رئيسياً بعدم استقرار الأسعار وينعكس سلباً على نمو الاقتصاد العالمي، فالأسعار التي ترتفع بشكل مفاجئ لفترات قصيرة تؤدي لآثار سلبية عديدة سواء بضغط على نمو الاقتصاد العالمي أو بضرر كبير على الدول الفقيرة بزيادة تكاليف الطاقة لديها مما يوقعها بمزيد من الإشكاليات التي تؤثر على استقرارها، إضافة إلى تحسن جدوى إنتاج طاقات بديلة للنفط على المدى الطويل، حيث ستتكثف الأبحاث لتقليص تكلفتها لدى الدول المستهلكة الرئيسية، لكي تمنع التقلبات الضارة على نموها الاقتصادي التي تتسبب بها الأسعار المرتفعة بدون دوافع اقتصادية مستدامة، وبالمقابل فإن انخفاض الأسعار سيكون له أثر سلبي كبير على المدى المتوسط والبعيد، فهو سيضغط على خطط التنمية لدى الدول المنتجة وكذلك سيخفض الانفاق الاستثماري لزيادة إنتاج النفط مما سيؤدي مستقبلاً لنقص بالمعروض قياساً بالطلب، فالاقتصاد العالمي ينمو الطلب فيه سنوياً على السلع ومنها النفط، وفي حال تراجع الاستثمار بقطاع الطاقة والنفط تحديداً فسيؤدي ذلك لارتفاعات ضخمة بالأسعار يكون لها تأثير سلبي على النمو الاقتصادي، إضافة إلى أن الاستثمار بقطاع النفط يسهم بدعم نمو الاقتصاد العالمي، حيث ينفق عشرات المليارات سنوياً لزيادة الإنتاج وتطوير وتوسيع البنى التحتية التي تخدم هذا القطاع.
كما أن استدامة فعالية قطاع النفط مرهونة أيضًا بأسعار منضبطة تتناسب مع نمو الطلب ووضع الاقتصاد العالمي، فالعالم قد يقبل أسعارًا فوق 100 دولار عندما تكون الأوضاع الاقتصادية ملائمة وقادرة على استيعاب أي سعر ينعكس من خلال نمو اقتصادي صحي، فأسعار النفط الحالية عند 65 دولارًا مقبولة للاقتصاد العالمي الذي يقارب حجمه الإجمالي 85 تريليون دولار، بينما مثل هذا السعر لم يكن بالإمكان تحمله قبل ثلاثة أو أربعة عقود، لأن الاقتصاد العالمي كان أصغر حجمًا واللاعبون الجدد على مسرح التنافسية فيه ليسوا كما هم اليوم أكثر عدداً وحجمًا، فالصين لم تكن موجودة على خارطة أكبر اقتصاديات العالم، أما اليوم فهي الدولة الثانية بعد أميركا ويضاف لها دول عديدة من الاقتصادات الناشئة التي باتت الأكثر تسارعاً بنمو الطلب لديها على النفط نتيجة لنمو اقتصادياتها المستدام، ولذلك فإن ركيزة الاستدامة تحمل أهمية كبيرة للمنتجين والمستهلكين على حد سواء ولا يمكن تحقيقها إلا بأسواق مستقرة.
مؤتمر هذا العام الذي يعقد تحت عنوان «نحو رؤية مزدهرة .. عصر جديد للطاقة» ويحضره عدد كبير من الخبراء والمختصين وكبار المسؤولين بقطاع النفط عالمياً تأتي أهميته في ظل ظروف اقتصادية وجيوسياسية عالمية بالغت الأهمية والتأكيد على الاستقرار والاستدامة لأسواق النفط وما يدعمها من عوامل يعد امراً إيجابياً يحتاجه الاقتصاد العالمي الذي يبحث عن دعم من جوانب عدة كاستقرار أسواق الطاقة وحلول الأزمات السياسية وإنهاء الحروب التجارية والاستمرار بالإنفاق على تطوير التقنيات لرفع كفاءة استخدام الطاقة، وكذلك زيادة الاحتياطيات النفطية القابلة للاستخراج بتكاليف منخفضة، فالنفط هو كلمة السر باستقرار الاقتصاد العالمي من عدمه.