عبدالعزيز السماري
في قطاع الصحة كانت التجربة ناجحة نوعًا ما، فقد كان اختيار النموذج الغربي لتأهيل المتخصصين في مختلف المهن الصحية موفقًا في البدء، مما فتح الباب لسلسلة متلاحقة من النجاحات المتواصلة بدءًا من الابتعاث وبرامج التدريب ثم الاستفادة من الكوادر الطبية التي عادت من أمريكا الشمالية، ومن يزور الآن مختلف قطاعات الصحة المتخصصة وغيرها سيدرك معنى نجاح برامج التوطين في قطاع الصحة، فالكوادر السعودية من مختلف المهن والتخصصات تقود المجال الطبي بتفوق ونجاح منقطع النظير، وتخضع لامتحانات تأهيل وترخيص للعمل..
هذا هو بيت القصيد في تطور منظومة العمل الصحي، وبرغم من افتقاره للتطوير في السنوات الأخيرة، فالوضع ظل على بداياته، فالتخصصات الطبية تتطور مع الزمن، وتحتاج إلى تصنيفات جديدة، تجعل من نظام التأهيل أكثر وعيًا بالسوق، وذلك للحد من العمل خارج التخصص الصحي أيًا كان..
لكنها مع ذلك تظل متطورة عند مقارنتها بالفوَضى والعشوائية التي تحكم المهن الأخرى، خاصة اليدوية منها مثل الكهرباء والسباكة والحدادة والنجارة وغيرها من المهن الفنية، فالعاملون في السوق لم يخضعوا لامتحان مهني من أجل ترخيص العمل في السوق السعودية، ومن تجاربي المحدودة تبدو المصيبة أكبر مما نتصور، فالعامل الذي بلا مهنة يصل إلى البلاد، ثم يتحول مع مرور الوقت إلى متخصص في السباكة أو الكهرباء أو الاتصالات ومجال الحواسيب، بينما يجهل أبجديات العمل ومهاراته في التخصص، ولهذا السبب على وجه التحديد قد يخسر السعودي في بناء منزله أو في إصلاح أجهزته ربما أضعاف الدول المتقدمة..
كذلك تحد هذه العشوائية من وجود فرص للعمل للسعوديين في هذه المجالات، إِذ لا يوجد فهرس لأسماء المهن وأنواعها وشهاداتها ومستوياتها، فالمهندس يختلف حتمًا في تدريبه وتأهيله عن الفني، وإذا تأخرنا في إقرار مثل هذه التنظيمات سنتأخر في وضع اللبنة الأولى للتوطين في هذه المهن التي تتميز بدخل عالٍ، وكان المفترض أن تقود المؤسسة العامة للتدريب المهني هذه النقلة، لكنها اكتفت ببناء كليات كثيرة لكن من دون متابعة وحماية للمهنيين السعوديين، وكانت النتيجة اختفاء عشرات آلاف المهنيين عن السوق..
من خلال هذه الإيجاز المختصر نود من وزارة العمل إكمال مسيرتها في توطين قطاعات المهن اليدوية والفنية من خلال أولاً إنجاز فهرس لمختلف المهن في السوق ثم وضع امتحان لتأهيل وترخيص لكل مهنة في هذا القطاع الحيوي والمنسي في السوق السعودية، وذلك من أجل أن تكتمل أحد ملامح الصورة الجميلة لوطن المستقبل الذي نتطلع إليه، والله ولي التوفيق.