فهد بن جليد
صياغة الأخبار ورواية الأحداث وفق قاعدة (اللا عمق) من أهم خطوات انتشار القصص عبر منصات التواصل الاجتماعي، بالابتعاد عن المفردة الثقيلة ونقل الخبر من الداخل دون إسراف أو تطويل أو إغراق في تفاصيل القصة، لضمان تداولها وتشاركها أكثر، لاحظ أنَّنا نتحدث ضمن المنصات الإخبارية أو الحسابات الشخصية الطبيعية التي لا تتبع أجندات أو تعتمد على دعم فني، في نهاية المطاف الصحافة الرقمية بكل أشكالها (مواقع - صحف- منصات تواصل) غير قادرة على العيش دون نتاج وسائل الإعلام التقليدية، أي أنَّها (تقتات) في الأصل على ما يقدم ويعرض في وسائل الإعلام بشكل عام، بعد أن يتم إعادة صياغته بطريقة تضمن تشاركه مع الآخرين بسرعة وسهولة وبساطة، وهذه من العوامل التي يجب الانتباه لها، لذا بعض المؤسسات الصحفية العريقة ذات القيمة والمضمون (الرصين)، والتجربة الثرية، وطواقم الفرق المهنية والاحترافية، بدأت تُدرك أهمية وضرورة التغيير والتجديد في الهوية لتضمن (مقعداً لائقاً) لها على مضمار المنافسة بأدواته وفنونه الجديدة، خصوصاً لناحية صياغة وترتيب الأخبار، حتى تكون جاذبة ومشوقة لذائقة المُتلقي.
المال وحده لم يكن العقدة -وليس الحل- الحل لاستمرار الأداء والحضور المُقنع للمؤسسات الصحفية العريقة كما يُروَّج، لذا كان لا بد من اتخاذ خطوات ووثبات تطويرية جديدة وموازية غير مُكلفة، القائمون على بعض المؤسسات الصحفية أدركوا جملة التحديات التي تواجه مستقبل الصحافة بشكل عام، وأنَّ التغيير والتجديد شرط للبقاء بفرضية المراحل المُتعاقبة التي عاشتها الصحافة في الأصل، هذا الحضور الجميل -لبعض تلك المؤسسات الصحفية- بتجديد هويتها الورقية والإلكترونية معاً، نلاحظه لناحية الصورة والمساحة والعنوان ونوع الخبر وصولاً للصياغة والتحرير، وهو ما يبعث على الاطمئنان، ويؤكد بأنَّ مسيرة تحول المؤسسات العريقة قد بدأت بالفعل -بلغة عصرية جديدة ورشيقة- وهو ما يعني عملياً أنَّ العشوائية المقيتة الموجودة في ساحات التواصل الاجتماعي إلى انحسار، نتيجة توافر لغة سليمة ومصادر موثوقة، وتجربة مُعتبرة، تظهر هنا بثوب عصري وجاذب لم يكن معهوداً في السابق.
لنقترب أكثر من التطوير الذي تعيشه اليوم (صحيفة الجزيرة) كمثال، حيث يتضح عليها التحديث المرحلي في نسختيها الورقية والإلكترونية وجهود إعادة ترتيب القوالب الصحفية عبر حساب الصحيفة على (تويتر) تحديداً، من الواضح أنَّ الصحيفة شقَّت طريقاً خاصاً لها على هذه المنصة بدخول مضمار المُنافسة، في قبول واضح بالتحدي والتجديد، ليتماها الخبر المنشور في الحساب مع شخصية المستخدم الحالية، بتبسيط اللغة، والاعتماد على القصة الخبرية، والصياغة التشويقية، مع بقاء ما يشبع حاجة المُتلقي التقليدي، مثل هذا التحول هو خطوة هامة في طريقة تجديد المؤسسات الصحفية لنفسها وذاتها ونتاجها، كونها الأجدر بتصدر المشهد، وأول خطوات النجاح تبقى بصياغة العناوين الترويجية للقصة الخبرية بفن (اللا عمق)، وهو ما أرجو أن تدركه المؤسسات الصحفية الأخرى لتقوم بدورها التاريخي في ملء الفراغ والتحول نحو العصرنة، لتأخذ مكانها الطبيعي على هذه المنصات.
وعلى دروب الخير نلتقي.