على اختلاف الأنظمة السياسية في العالم لن نجد نظاماً سياسياً معقداً وغريباً مثل النظام الإيراني، الذي رسم خطوطه العريضة (الخميني) بعدما قام وزمرته باختطاف ثورة الشعب الإيراني في نهاية السبعينيات من القرن الميلادي المنصرم، والتي أطاحت بشاه إيران السابق محمد رضا بهلوي. نعم فقد قام خميني بعد تسلم السلطة في إيران بتأسيس نظام حكم يتكون من حكومتين داخل دولة واحدة، وأطلق عليه مسمى (ولاية الفقيه)، والنظام تم إعداده بمرجعية دستور ما بعد الثورة 1979م. وتتشكل الدولة فيه من المرشد الأعلى للثورة، والذي تناط به مسؤولية الإشراف على السياسات العامة وقيادة القوات المسلحة والإشراف على السلطات الثلاث في البلد (التشريعية والقضائية والتنفيذية)، وله الحق في نصب وعزل كل من: القياديين في المؤسسات الإعلامية، وأعلى مسؤول في السلطة القضائية، ورئيس أركان الجيش، والقائد العام لقوات حرس الثورة، والقيادات العليا للقوات المسلحة، وقوى الأمن الداخلي. ويُنتخب المرشد الأعلى من قبل مجلس خبراء القيادة الذي يتم انتخابه عبر انتخابات عامة، ويتولى المرشد تعيين فقهاء مجلس صيانة الدستور وعزلهم، وهذا المجلس له الحق في قبول أو رفض أي مرشح لرئاسة الدولة أو مجلس الشورى (البرلمان). ويتم انتخاب رئيس الدولة عبر اقتراع عام لمدة أربع سنوات، ويحق أن يمدد لفترة واحدة فقط، ويقوم بتشكيل الحكومة وترأس مجلس الوزراء، وهي بالواقع حكومة تسيير أعمال لا أكثر ولا أقل، لأن جميع السلطات محتكرة من المرشد الأعلى للثورة.
مما سبق يتضح بأن النظام الإيراني يتكون من سلطتين داخل دولة واحدة، وهما سلطة المرشد الأعلى للثورة والتي تتحكم بجميع مفاصل الدولة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وسلطة رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، والبرلمان تكون مهمتها تسيير أعمال الدولة وتمثيلها خارجياً تحت إشراف المرشد الأعلى ومؤسساته آنفة الذكر، ولا تملك قراراً إستراتيجياً داخلياً أو خارجياً إلا بتوجيه من المرشد الأعلى الذي له الكلمة الأولى والأخيرة في رسم السياسة الداخلية والخارجية للبلاد.
غالبية الشعب الإيراني حضاريون لا يقبلون بهذا الوضع ويرغبون في التعايش السلمي مع دول المنطقة والمجتمع الدولي، ولكن القلة القليلة من أتباع المرشد الأعلى وزمرته تقف خلف السياسة المتطرفة العدوانية لإيران ووكلائها بالمنطقة، إذًا فسياسة إيران الخارجية ليست بيد (روحاني) ولا (ظريف) بل بيد المرشد الأعلى (خامنئي) ومن معه من طغمة الملالي، وهم من أوصل إيران إلى هذه العزلة الدولية التي تعيشها بعد محاولتها العبث في أمن المنطقة، وهذه الطغمة المهيمنة على إيران يعاني منها الشعب الإيراني كما تعاني منها شعوب المنطقة، تربط استمرارها بالسلطة بإثارة المشكلات والقلاقل في العالم أجمع حتى يعتقد رجل الشارع الإيراني البسيط غير النخبوي بأن العالم ضد دولته فيتمسك بهم ويربط مصيره بهم، وهذه نظرية سياسية قديمة تجاوزها الزمن والمجتمع الدولي منذ عقود إلا أنهم لا يزالون متمسكين بها من خلال سياسات تخريبية في المنطقة يصعب حصرها. إن الحل في أزمة إيران يكمن بإسقاط هذا النظام، وهذا لن تفعله العقوبات الاقتصادية والعزلة السياسية فقط بل الحل يجب أن يأتي من داخل إيران، وهذا سوف يحدث فقط عندما يعي جل الشعب الإيراني بأطيافه بأن مصيره مرتبط بالتخلص من ولاية الفقيه المتمثلة بالمرشد الأعلى ومؤسساته، وسيحدث هذا حتماً، فكما وصلت هذه الزمرة الحاكمة في إيران إلى السلطة عبر ركوبهم لثورة الشعب الإيراني العام 1979م سوف يتخلص منهم الشعب الإيراني بثورة جديدة لن يمتطيها في هذه النسخة إلا المتحضرون من هذا الشعب المبتلى.
** **
- محمد بن علي المديفر