«الجزيرة» - الاقتصاد:
خلصت «دراسة المشاكل البيئية وأثرها على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة العربية السعودية» التي استعرضها منتدى الرياض الاقتصادي أول أمس، في تشخيصها للوضع الراهن للمشكلات البيئية بالمملكة، إلى أن النمو السكاني وإنتاج النفايات والملوثات وتدهور الأنظمة البيئية تعد من أهم العوامل المسببة للضغط على البيئة والموارد الطبيعية.
واستعرضت الدراسة في جلسة برئاسة الدكتور منصور الكريديس عضو مجلس الشورى، وقدمها الدكتور سطام المعجل أستاذ الهندسة البيئية المساعد بجامعة الملك سعود، وشارك في المناقشة الدكتور وليد زباري أستاذ إدارة الموارد المائية بجامعة الخليج، والدكتور محمد الكثيري رئيس مجلس إدارة شركة سيبكو لحماية البيئة.
من جانبه، قال الدكتور منصور الكريديس، إن البيئة في العقود الماضية واجهت مشاكل عديدة مع مايشهده العالم وأيضاً المملكة العربية السعودية من نمو سكاني هائل وثروة صناعية، مبيناً أن محور البيئة لها علاقة وثيقة بالإنسان كونه يؤثر على البيئة ويتأثر بها كذلك سواءً عبر الهواء والغذاء والماء وغيرها.
وبين الكريديس، أن حكومات العالم جميعا تدرك أهمية البيئة والتحديات التي تواجه الإنسان إلا أنها دائماً لا تعطيها الأهمية القصوى وإنما تعطي القضايا الأخرى أهمية كبرى بما فيها الاجتماعية والاقتصادية، ولذلك مجالات البيئة تأتي في مؤخرة الاهتمامات.
وأضاف: «نحن في السعودية نواجه تحديا بيئيا ليس بالسهل ولدينا نمو سكاني كبير وضعف في الإدراك البيئي، بالإضافة إلى التنمية الصناعية التي تشهدها البلاد، ولذلك منتدى الرياض الاقتصادي أعطى هذا الموضوع الاهتمام الكبير».
من جهته، أوضح محمد الكثيري، أن رؤية المملكة 2030 أكدت على ضرورة العمل للحد من التلوث برفع كفاءة إدارة المخلفات والتلوث بصفة عامة، والحد من ظاهرة التصحر والعمل على الاستثمار الأمثل للثروة المائية، وتأسيس لمشروع متكامل من أجل إعادة تدوير النفايات، وغيرها من المبادرات التي تؤكد على أهمية الدراسة وأنها جاءت في الوقت المناسب، موضحاً أن ذلك يلقي عبئا كبيرا على القطاع الخاص والمواطن أيضاً.
وأكدت الدراسة أن ضعف الالتزام بالضوابط والمعايير البيئية وتدني مستوى الوعي البيئي وانتشار الممارسات السلبية الخاطئة جعل المملكة تحتل المرتبة (86) من أصل (180) دولة في مؤشر الأداء البيئي، حيث قدرت التكلفة السنوية الإجمالية للتدهور البيئي بنحو (86) مليار ريال سعودي أي ما يعادل (3 %) من الناتج المحلي الإجمالي عام 2014م، وأوضحت الدراسة أن هذه المشكلات البيئية تعتبر من أهم التحديات التي يتطلب الأمر التغلب عليها لتحقيق رؤية المملكة 2030، كما بينت أن المملكة في سعيها للحفاظ على التوازن بين التنمية الاقتصادية والعناصر والموارد الطبيعية المتوفرة قد التزمت بصورة أكبر بالإجراءات الجادة لحماية البيئة من خلال وضع أطر تشريعية وترسيخ آليات مؤسسية فعالة.
وحصرت الدراسة التحديات البيئية بالمملكة في النمو السكاني الذي يعتبر من أهم العوامل المحركة لقضايا التنمية المستدامة وأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، إضافة إلى الأضرار البيئية لصناعة النفط والغاز، وتلوث الهواء بسبب صناعة التعدين والتوسع الكبير في قطاع النقل، وزيادة معدل إنتاج الفرد للنفايات وكمية النفايات البلدية، وأن ارتفاع متوسط نصيب الوحدة الأرضية من إجمالي الأسمدة الكيماوية، وتلوث الغذاء والضوضاء وشح الموارد المائية، ومن خلال تناولها لهذه التحديات توصلت لعدد من النتائج منها أن النمو السكاني قد أدى لزيادة الضغوط على الموارد الطبيعية، كما أن زيادة إنتاج النفايات والملوثات يؤدي إلى تدهور الكثير من العناصر والثروات والأنظمة البيئية، وتدهور المراعي الطبيعية بسبب الرعي الجائر وعدم التوازن بين الحمولة الرعوية وأعداد الحيوانات الراعية، بالإضافة إلى الاحتطاب والتوسع العمراني في المدن الرئيسية وما تتطلبه من اللجوء إلى أراضي المراعي للحصول على المواد الأولية للبناء وردم الطرق العامة، كما أن تلوث البيئة المائية وظاهرة الصيد الجائر أدت إلى عدم مواكبة معدل النمو البيولوجي لمعدل الصيد السمكي، ومن ثَمّ التأثير على المخزون السمكي لتلك المصايد، حيث تناقصت نسبة الأرصدة السمكية ضمن مستوى مستدام بيولوجيا من 87% عام 2013م إلى 54% عام 2017م.
وأضافت، أن زيادة درجة تلوث الهواء بنسبة 10% تؤدي إلى زيادة إجمالي عدد المرضى المنومين بالمستشفيات بنسبة 11.1% كما أن زيادة إجمالي عدد المرضى المقدر بنسبة 10% يؤدي إلى تناقص قيمة الإنتاجية الكلية للعامل كمؤشر للتنمية الاقتصادية بنسبة 1.8% وقالت إن نقص الموارد المائية المتاحة يؤدي إلى تقليص المساحة المحصولية وقيمة الناتج الزراعي، وبالتالي التأثير على إجمالي الناتج المحلي كمؤشر للتنمية الاقتصادية، وفي إطار البعد البيئي لمختلف الأنشطة الاقتصادية، بينت الدراسة أن وزارة الصحة قامت بإغلاق بعض المنشآت غير الملتزمة بالاشتراطات البيئية، حيث يعتبر إنتاج الأسمنت من أهم الأنشطة الملوثة للبيئة، حيث تراوحت عدد الحالات المصابة في شركات الأسمنت بأمراض سببها التلوث البيئي خلال العام الماضي بين ثمانية عمال لكل شركة في منطقة الرياض وحد أعلى بلغ 15 عاملاً لكل شركة في المنطقة الشرقية. كما قامت وزارة الصحة بفرض غرامات على حوالي 12.7%، 19.7%، 40.6% من العينة البحثية لمشاريع الدواجن العاملة في كل من المنطقة الشرقية والرياض ومكة المكرمة على التوالي، بسبب عدم التزامهم بالقوانين والأنظمة البيئية
. وقالت إن تراكم المشكلات البيئية يعتبر أحد أهم أسباب ضعف القدرة الإنتاجية للموارد الاقتصادية وخاصة الموارد الأرضية والمائية والبشرية، بالإضافة إلى التكاليف غير المباشرة التي قد تتحملها الدولة في إعادة التوازن البيئي. ومبينة أن الضغوط على البيئة والموارد الطبيعية في المملكة ازدادت خلال العقود الماضية نظراً لضعف الالتزام بالضوابط والمعايير البيئية وتدني مستوى الوعي البيئي وانتشار الممارسات السلبية الخاطئة.
ولمعالجة هذا الوضع دفعت الدراسة بعدد من المبادرات مع تحديد آليات تنفيذها، وتشمل هذه المبادرات نشر الوعي البيئي في جميع المناطق بالمملكة لتقويم سلوك الأفراد تجاه البيئة والمحافظة عليها من التلوث، والدعوة للتركيز على القطاعات الرئيسية المسببة للتلوث البيئي المرتبط بالتنمية الاقتصادية، وحث القطاعات التنموية على الالتزام بالأنظمة والتشريعات البيئية تنفيذاً لرؤية المملكة 2030م، إضافة إلى المحافظة على الموارد الطبيعية القابلة للنضوب وذلك لتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على حق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية، كما دعت لتشجيع القطاع الخاص وإلزامه بالمحافظة على البيئة وحمايتها من التلوث في ظل تنامي مساهمته في التنمية الاقتصادية بما يتفق مع رؤية المملكة 2030م، وإجراء المزيد من الدراسات حول التأثير المتبادل أو المعاكس بين التنمية الاقتصادية والمشكلات البيئية بهدف السيطرة على معدلات التلوث والحد من تكلفة الإصحاح البيئي من ناحية وعدم تحمل الموازنة العامة للدولة تكاليف عالية لإعادة التوازن البيئي في المدى المتوسط والطويل.