د.عبد الرحمن الحبيب
«إلى حد بعيد، هذه أعظم وأكبر صفقة تمت على الإطلاق للمزارعين الوطنيين العظيمين في تاريخ بلدنا». هذا ما غرد به ترامب بعد الاتفاق التجاري الأسبوع الماضي بين أمريكا والصين؛ ليضيفه مع إنجازاته في تحسين الاقتصاد الأمريكي، ومن ثم ستساعده في الحفاظ على منصبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة هذا العام. فهل فعلاً نجح ترامب في معاركه التجارية؟
بالأساس سياسة ترامب الخارجية مبنية على تعاملات تجارية مع الدول، ونزعة اقتصادية للسياسة الدولية، وتعزيز القومية والأحادية على حساب تعددية الأطراف، حسب توماس رايت (معهد بروكينغز)، حيث لا يوجد لدى إدارة ترامب أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، بل معاملات تجارية مع الدول، عبر قيمة قليلة للعلاقات التاريخية والحلفاء والشركاء، وتحقيق فوائد فورية تتراوح بين التجارة والمشتريات والدعم الدبلوماسي. فهل حقق إنجازات تاريخية للاقتصاد الأمريكي؟
إذا بدأنا بالصفقة الأخيرة، فهي مرحلية حسب تعبير الإدارة الأمريكية «المرحلة الأولى» ولا تحقق الأهداف الأساسية، مما دعا البعض باعتبارها مؤقتة ولا تستحق هذه المبالغة بل اعتبرها البعض ذات طبيعة دعائية (إكسبرس أونلاين).
هذه الصفقة تشكل اتفاقاً مرحلياً أو هدنة مؤقتة كما يقول المحللون؛ فبموجبها رضخت الصين بالالتزام باحترام الملكية الفكرية الأمريكية وزيادة مشترياتها من السلع الأمريكية بمقدار 200 مليار دولار للسنة وستبقى سارية المفعول حتى إبرام الجزء الثاني من الصفقة. كما تعهدت بكين بعدم التلاعب بسعر صرف عملتها للحصول على مزايا بالتجارة الخارجية. وعلى الرغم من الصفقة الأخيرة، ما زال أغلب التعرفات الجمركية التي فرضت بين الجانبين على حالها.
في كل الأحوال، يعتبر ذلك رضوخاً صينياً يأتي بعد سلسلة معارك تجارية وعقب تهديدات ترامب (أغسطس الماضي) بفرض رسوم بنسبة 10 في المئة على واردات صينية تصل قيمتها إلى 300 مليار دولار، وفرضه رسوما بنسبة 25 في المئة على باقي الصادرات الصينية تبلغ قيمتها 225 مليارا. أما المعركة الأبرز فهي التي أسفرت عن فرض تعرفة جمركية على واردات أمريكية من المنتجات والسلع الصينية تصل إلى نحو 500 مليار دولار سنوياً.
مواقف إدارة ترامب الخارجية تعمل بآلية الصفقات «الصفرية» مع فتح منفذ مغرٍّ للآخر كي يقبل الصفقة؛ فبعدما أطلق ترامب مطالبه القاسية وكادت تصل إلى حرب تجارية ضروس تهدد الاقتصاد العالمي، انتهت بالتوصل لاتفاقات بين واشنطن وبكين بما يرضي الإدارة الأمريكية.
يتساءل جون هانا : هل هذا نوع من الحيل الذكية؟ ثم يجيب : «عندما نتحدث عن ترامب هنا، فكل مهارته هي في عقد الصفقات. هذا هو الحمض النووي الخاص به. الذهاب في تحديد مطالب متطرفة إلى أعلى المستويات ومن ثم التراجع لتحجيمها عند الضرورة حين يلبي الجانب الآخر احتياجاتك الأساسية. ثم إعلان النصر والمبالغة في تسويقه».
إذا انتقلنا إلى أداء قطاع التجارة الأمريكي لأهم المحطات الأخرى حول العالم حسب تقرير بي بي سي؛ فسنجد أنه بالنسبة لأمريكا الشمالية، في 2018، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق تجاري بقيمة أكثر من ترليون دولار سنوياً من التبادلات التجارية بين الدول الثلاثة بالقارة، يحل محل اتفاقية التجارة الحرة بين دول أمريكا الشمالية (نافتا)، لكن ظل أغلب المواد التي تضمنتها نافتا كما هي عدا بعض البنود التي صارت أكثر صرامة. لذا يقلل المحللون من أهميتها.
أما بالنسبة لأوروبا، فلم يظهر حتى الآن اتفاق تجاري مع أمريكا؛ ودخل الجانبان الأمريكي والأوروبي في مواجهات تجارية تضمنت فرض تعرفات جمركية متبادلة على السلع والمنتجات. وهدد الرئيس الأمريكي مراراً بفرض تعرفة جمركية على واردات بلاده من السيارات الأوروبية، لكن هذا لم يحصل حتى الآن.
أما اليابان وكوريا الجنوبية، فإن انسحاب ترامب من اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادي، التي كان مقترحاً أن تضم 12 دولة، أدى إلى إبرام الاتفاقية دون أمريكا. وزعم ترامب حينها أنه وقع اتفاقيتين تجاريتين مع اليابان وكوريا الجنوبية، لكن باحثين في الكونغرس الأمريكي رأوا أن التعديلات الأخيرة بالقواعد التي تحكم التبادل التجاري بين واشنطن وكل من طوكيو وسيول لا ترقى لدرجة اتفاقيات تجارية جديدة كما زعم ترامب.
وأخيراً، البرازيل والأرجنتين، كان تصريح ترامب الشهر الماضي عن رغبته بفرض تعرفة جمركية على الفولاذ والألومنيوم المستورد من البرازيل والأرجنتين بمثابة مفاجأة للبلدين. ومنذ إدلاء ترامب بتصريحه لم تصدر عن إدارته تصريحات أخرى حتى الآن ولم تتحول تهديداته إلى التنفيذ. كذلك أكد الرئيس البرازيلي عقب مكالمة هاتفية مع ترامب أن ما هدد به الأخير لن يصبح أمراً واقعاً.
منذ نحو عامين شن الرئيس الأمريكي حروباً تجارية مع الشركاء التجاريين أبرزها مع الصين بدأت بتعرفة جمركية على الفولاذ، للرد على ما يعتبره ممارسات غير عادلة من الشركاء.
يتباهى ترامب بمهارته الفائقة في المفاوضات التجارية ويرى البعض أنه رجل أعمال يجيد إدارة الصفقات التجارية، ويصنف ترامب نفسه «صانع صفقات» جيدة، لكن البعض يرى أنه مجرد «رجل التعرفة» الجمركية، كما وصف هو نفسه بذلك، إلا أنه أيضاً يقول عن نفسه إنه نجح في كل صفقة دخل فيها، ولم يفشل أبداً.. إنما ما يبدو واضحاً هو نجاحه في المبالغة بتسويق أدائه.