د.عبدالله بن موسى الطاير
بالتزامن مع إلزام محكمة العدل الدولية حكومة ميانمار بحماية سكانها الروهينجا المسلمين وتجنب الأعمال التي قد تشكل إبادة جماعية، مقررة أنهم مازالوا «عرضة لخطر الإبادة الجماعية»، كان الشيخ محمد العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يؤم المؤمنين في أحد الفروض في معسكر «أوشفيتز» النازي، في بولندا، مشاركا في الذكرى الـ 75 لتحرير سجنائه.
الهولوكوست كانت عملية إبادة جماعية لليهود على أساس العرق، وحدثت إبان الحرب العالمية الثانية (1939-1945).. وتشير التقارير إلى «أن 7 من كل 10 من اليهود في أوروبا قُتلوا بسبب هوياتهم». الهولوكوست هي مثال صارخ على جرائم قتل أعداد كبيرة من البشر بسبب انتمائهم لجنسية أو عرق أو دين، وهو تماماً ما حدث للمسلمين في ماينمار.
محكمة العدل الدولية سنّت سابقة هي الأولى من نوعها، والعالم والعدالة ممنونان لمنظمة التعاون الإسلامية بأعضائها السبعة والخمسين الذين اتخذوا قرارهم في مجلس وزراء خارجيتهم برفع هذه القضية، ووقفوا خلف دولة جامبيا رئيسة الفريق الذي رفع القضية، وبنجلاديش التي ساندتها في هذه المعركة القانونية، وبقية الدول الأعضاء وبخاصة المملكة، دولة مقر المنظمة، ورئيسة القمة الإسلامية الرابعة عشر.. هذا في جانب، وفي الجانب الآخر من الصورة كان الشيخ محمد العيسى يطبّق عملياً قانون العدالة الرباني كما ورد في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ} بزيارته معسكر «أوشفيتز» ليؤكد بأن الإسلام لا يقر هذه المجازر وأن الإنسان الذي قضى ظلماً وعدواناً يستحق من العدالة من أخوته في الإنسانية بتذكر معاناته، برجاء أن يكون التقدير لأولئك الضحايا باتخاذ الإجراءات الاحترازية كافة لضمان عدم تكرار هذه الفواجع الإنسانية. أكثر الدول التي ينبغي أن تتوقف عند العبر من تلك المجازر الجماعية هي إسرائيل، المطالبة باحترام حق الفلسطينيين في الحياة بكرامة على أرضهم.
السعودية لاعب رئيس في المشهدين، فهي تتصدره باعتبارها دولة إسلامية مؤسسة ومستضيفة لمنظمة التعاون الإسلامي، وهي مقر رابطة العالم الإسلامي. ولذلك فليس مستغرباً أن تكون وهنا تبذل الوسع للانتصار للمسلمين الذين تعرضوا لإبادة جماعية في ماينمار، وهناك تنصف اليهود الذين أبيدوا بوحشية. السعودية حضرت بوضوح في الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي سواء في سياق الثناء أو الذم، فقد التزم الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في معرض تعليقها على زيارة الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي إلى معسكر «أوشفيتز» بالإشارة إلى «الشيخ السعودي محمد العيسى»، وأحياناً «الشيخ السلفي السعودي».
كلمة حق في هذا الرجل، أقول إنه حطم أغلال التطرف بالدليل والبرهان، وفتح الأبواب التي لطالما أغلقتها إرادات سياسية معينة، أو تفسيرات متزمتة للدين. وأيّ محقق موضوعي في النصوص الشرعية متحلل من تراكم المؤثرات الاجتماعية والسياسية والغوغائية سيذهب إلى ما ذهب إليه العيسى إذا تحلى بشجاعته.
ولقد توصل الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- إلى ذات القناعة قبل نحو ثلاثة عقود حين أفتى بجواز إقامة علاقات سياسية مع إسرائيل لتبادل المنافع الاقتصادية إذا كان ذلك في مصلحة الدول الإسلامية، لأن إقامة العلاقة لا يعني بحال من الأحول إقرار الاحتلال، ولا موافقة إسرائيل على ما تفعله بالفلسطينيين. وكان أول من هاجمه في ذلك هم وعاظ الإسلام السياسي الذين أملوا أن يكون التطبيع مع إسرائيل ورقتهم وحدهم عندما تسنح لهم الفرصة في الحكم.
إذا كان لنا أن نستشرف الأمل في علاقة الشرق بالغرب، فعلينا أن ننظر لنموذجين إسلاميين يقدمها كل من السعودي محمد العيسى، والمصري محمد صلاح. فالعيسى فتح عقول وقلوب النخب الدينية والسياسية والفكرية الغربية، وأصبح اسمه مرادفاً للتسامح ومصدر ثقة عند الطرف الذي كان متحفزاً ومستع داً للأسوأ في علاقته بالإسلام، فاتفق الجميع «الآخر» على الترحيب به، وأعطي أولوية لم يحظ بها السياسيون. ومحمد صلاح طبّع اسم محمد في جميع الأوساط المسيحية واليهودية والبوذية والملحدة على حد سواء، وأصبحت سجداته في الميدان الأخضر مصدر إلهام يقلدها المعجبون به، تماماً كما هي صلاة العيسى في معسكر «أوشفيتز»في بولندا ملهمة للنخب الدينية غير المسلمة.
دائما هناك أمل يصنعه الشجعان والموهوبون، فالشجاعة كما يقول باولوا كويلوا هي أن تُدافع عن أفكارك أمَام العامة وأن تكون قوياً في ذلك. أما الموهوبون فإن موهبتهم عالمية، لا يحدها عرق أو دين، ولا تقيدها جنسية بلد بعينه.