عبدالعزيز السماري
في عالمنا الثالث نعاني من الفشل التنموي على مختلف المستويات، وعادة ما ينتهي الأمر، إما بالانتحار التنموي والقفز السياسي في الهواء، أو الفوضى التي تنتج بسبب الفشل الإداري والاقتصادي الذريع، ولعل المشهد العربي يكشف بوضوح هذه المتلازمة التي يبدو أنها مستقرة في منطقتنا منذ زمن غير قصير..
من أهم أسباب ذلك أن يكون اختيار القيادات الإدارية على نمط محدد، وأن تكون أقرب إلى شخصية مثالية لنموذج إعادة الفشل، ولهذا السبب يبدو المشهد مكرراً في بعض المناصب، فالشخصية الإدارية في كثير من مجتمعات دول العالم الثالث متغيرة، لكن التفاصيل لا تتغير، والأرقام وأدوات العمل تكاد تكون ثابتة..
لا شك أن إعادة إنتاج الفشل أكبر عائق في التنمية في دول العالم الثالث، فالفشل يستمر مهما تبدلت الأسماء، والسبب ليس في الأسماء، ولكن في الشخصية الإدارية، وفي نمطية العقل الإداري المغلق، والتي لا تفكر خارج دائرة العقل الإداري المركزي والمتحكم في مختلف التفاصيل..
من أجل أن نعرف لماذا نجحوا وفشلت بعض دول العالم الثالث في التنمية، علينا تناول بعض النماذج، ودراسة كيف ولماذا نجحوا؟، وهل ستيف جوب أو بيل جيتز فكرا في كل شيء أنتجوه؟، أم أنهما فتحا الباب للمبدعين للعمل بحرية في مجالهم بلا قيود على أدائهم الابتكاري، بينما فشلت النماذج الإدارية التي تشتغل من خلال نظام أمني صارم، وتحرص على الولاء الإداري من قبل الأشخاص المعينين حوله أكثر من أدوات الإنجاز والابتكار..
التضخم الإداري أحد أهم علامات إنتاج الفشل، فكثرتهم تعني الشعور بعدم القدرة على إدارة المشروع، ومن أهم سماته كثرة أولئك الذين ينتشرون حول المدير بلا مهام وظيفية، بينما يركن العاملون المنجزون في أركان بعيدة عن مراكز الاهتمام، ويؤدي شعورهم بالتهميش إلى إعادة إنتاج الإحباط في أيام العمل..
من أجل تجاوز هذه المعوقات نحتاج إلى لغة الأرقام، والتي في مقدورها إن تمكنت منها أدوات الشفافية، أن تكشف كيف يتم إنتاج الفشل من خلال الوجوه المختلفة، ومن خلال ذلك نستطيع تشخيص الخلل، ولماذا تتم إعادة إنتاج الفشل في مناصب يكرر عليها مسؤولون عدة..
قد يكون السبب هو المحسوبية قاتلها الله، والتي أجهزت على الإبداع عند كثير من الموهوبين في المجتمع، وذلك عندما تكون العلاقة الاجتماعية مؤهلاً أساسيًا في النماذج الإدارية الشائعة، وقد تكون الأيدولوجيا، وليست السيرة الذاتية، المعيار الذي يتم من خلاله اختيار بعضهم، وأخيراً، ومن أجل تجاوز هذه المعضلة المتكررة، والتي تدور حول نفسها منذ عقود، على المسؤولين استقطاب المواهب والخبرات التي أنجزت ونجحت في مجالها، لكي لا نعيد إنتاج الفشل..