عبدالعزيز السماري
قال المتنبي: «والظلم من شيم النفوس*** فإن تجد ذا عفة فلعله لا يظلم)، فطبيعة الحياة هي الظلم والغلبة والاستئثار والانحياز والأنانية في مختلف أوجه علاقات الإنسان الاجتماعية والسياسية والعلمية والاقتصادية، وإذا لم يدرك المرء هذه الحقيقة مبكرًا، سيظل يعيش في الأحلام إلى أن يستيقظ في يوم ما، ويكتشفها بعد معاناة.. مثال ذلك.. تلك العلاقة المضطربة في العالم بين الدول الكبرى وبقية العالم، التي لا يحكمها منطق العدل، ولكن تحكمها عوامل أخرى، يكون طابعها في الأغلب هو الظلم، ولهذا السبب تفرض علاقات من نوع آخر. لكنها حتمًا غير متكافئة، ولا سبيل عن البحث عن القوة والمناعة إلا من خلال موازنة الظلم مع الآخر، وكما عبر عنها حكيم العرب زهير بن أبي سلمى: «ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه ***
يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم»... ما زلت أعجب من تلك الفطنة العربية التي أقرت، قبل تاريخ الحداثة وما بعد الحداثة، أن طبيعة الإنسان هي الغلبة والظلم، برغم من اشتهار العرب بمكارم الأخلاق،.. وفي ذلك ترسيخ لحقيقة أن العلاقات بشكل عام لا تخضع للأخلاق والوعظ والفضيلة والآداب العامة، ولكن تهيمن عليها نزعات الظلم والظلم المضاد.. تقوم فلسفة الظلم على الاستئثار عبر اغتيال أحلام الآخرين، وتكاد تهيمن على مختلف النزعات البشرية، وتقوم الأيدولوجيا والمصالح الخاصة بمهمة تبرير الظلم الواقع على الإنسان الأضعف، وذلك من أجل الخروج من دوائر النفس ولومها الذي لا يتوقف، وعادة لا تجدي حلول الإمام العادل الذي تختزل حكمته ورؤيته مختلف الحلول لمختلف مشكلات الناس، لأن طبيعة الإنسان هي الظلم مهما تظاهر بالدفاع عن حقوق المستضعفين..
قامت في التاريخ حركات شمولية مثل الشيوعية تحت مقاومة الظلم، لكنها عندما سيطرت فرضت أقسى درجات الظلم على المجتمع، وكانت نهايتها مريرة، واختلفت الشعوب بخروج آخر دولة من معقل الشيوعية، كذلك هو الحال من تلك الدول التي تحكم من خلال أيدولوجيات شمولية، ترفع شعار حقوق المستضعفين، وهو يقتلون الأبرياء تحت شعار مقاومة الظلم..
لا توجد وصفة مثالية لمقاومة ظلم النفوس لبعضها البعض، فتلك سمة خالصة في الإِنسان، لكن انتصار مبادئ الحرية بمفاهيمها الحديثة ودورها في بناء مجتمع يقر تعدد الخيارات تحت سلطة القانون، فالحرية سلاح مؤثر في مقاومة ظلم النفوس، وفي مقدورها وضع حدودًا لمساحة الظلم، وقد يفتح أبوابًا للخروج من دوائر الظلم القريبة إلى مجال آخر..
فإذا أوصد أحدهم الباب في وجهك، افتح بابًا آخر، وانطلق في رحاب الحرية، وستجد حلولاً وطرقًا جديدة للوصول إلى إمنياتك ونجاحاتك..