رمضان جريدي العنزي
لنعش الواقع الحقيقي بحذافيره بعيدًا عن الافتراض والتخيل، والأوهام والهلاميات، لنبعد عن الصورة المفلترة ونعش الأصل، لأننا إن لم نفعل ذلك لتخبطنا في المسير. الإنسان الواقعي يعيش العقل والمنطق، ويتعامل مع الواقع كما هو، فلا يضع على عينه مكبرًا، ولا على وجه مساحيق، ولا يجيد لبس الأقنعة، ولا يرتدي الأردية التي لا تليق به، ويبعد بالمطلق عن الزيف والتزييف والخيالات المفتوحة والتي بلا حد. الإنسان الواقعي شخص واثق من نفسه، وهو على استعداد دائم وتام للتعاون مع الآخرين، يحب الحياة والألفة والود والتعاطف، ويمد يد العون والمساعدة، الوئام عنده أكسير الحياة، ولديه مجموعة قيم ومبادئ يعمل بها وفق تقاليده السائدة، مرتب شفاف وواضح، منفتح الذهن، ومتوثب للمشاركة الاجتماعية، يدرك الأمور بشكل توافقي، لا يتأثر بأي انطباعات سلبية، ولا يخالف العرف الصائب والفطرة السليمة، يتعامل مع الأمور على سجيته وطبيعته من غير تكلف ولا اصطناع، ويعتمد مفهوم الواقعية على القدرة على تحليل الأمور بشكل واعٍ ومنظم ومنطقي، الأفكار عنده متسلسلة ويربطها بشكل سليم، عنده مقدمات، ولديه نتائج، يقبل النقد الهادف، والنقاش المفضي للفائدة، عملي وواقعي، يذهب بعيدًا عن الأحلام المستحيلة، والتوقعات الخيالية، يفكر بعقل، وينظر لبعد، يعيش الموضوعية في الأشياء كلها، وينأى بنفسه عن الكذب والخداع والتلفيق، مستقل في المحتوى والمضمون والصورة، عقلاني، وصاحب منطق، هو إنسان من لحم ودم وأعصاب، وعقل ونفس وروح، له نوازع وله أشواق، ورغبات وضروريات، يأكل الطعام ويمشي بالأسواق، ويحيا ويموت، ويؤثر ويتأثر، ويرجو ويخاف، لكنه يحيا الحقيقة كلها بكامل تفاصيلها، راسخ فيها ومتفوق، يعيش الحياة انطلاقاً من الواقع، طريقةً وأسلوباً وسلوكاً وتفكيراً، بعيداً عن (الهياط) والنفاق والفشخرة الكاذبة والمسرحيات الباهتة، والروايات المجانبة للصدق، والقصص الركيكة الواهنة، والبحث عن الضوء والضجيج، والمخادعة والإسراف والبذخ في الظهور بمظاهر مغايرة لحقيقة الحال والواقع. إن الإنسان الذي يعيش الواقع بطبيعته، يحيا به ويرضى، نراه سعيداً وفرحاً، مستوراً ومسروراً، محبوباً ومقدراً ومبجلاً، ذكره طيب، وسيرته عطرة.